الاثنين، 25 فبراير 2008

أمير النور


أمير النور

كان أحمد وهناء يجلسان فوق سطح بيتهم في ليلة صيفية، وبينما هما يتسامران إذا بمركبة فضائية تقترب منهما , ووقفت فوق سطحهم معلقة في الهواء ثم خرجت منه أميرة جميلة ومن خلفها حارسان, فخاف الطفلان ولكن الأميرة تقدمت من أحمد قائلة: لا تخف أيها الأرضي .

فتعجب أحمد من كلامها وقال : هل تتكلمين العربية ؟!! .

فقالت الأميرة: نعم , أعرف معظم لغات كوكبكم، وقد جئت أبحث عن أمير النور .

فتعجبت هناء وقالت : ومن يكون أمير النور هذا ؟.

فردت الأميرة بدهشة : كيف تكوني من كوكب الأرض ولا تعرفين أمير النور!! ؟ لقد اعجبت به وبكتاباته واختراعاته وجئت لآخذه لكوكب العلماء لنستفيد من علمه ورأيه الحكيم .

فرد الحارس من خلفها قائلاً : لدينا هدف آخر يا أميرتنا .

فأطرقت الأميرة خجلاً واحمرت وجنتيها فزادها ذلك جمالاً على جمالها ؟ وقالت : لقد بحثنا في الكواكب من حولنا عمن يصلح لأن يعتلي عرش البلاد بجواري ولم نجد أفضل من الحسن , أمير النور .

فقال أحمد: بحثتي في كوكبكم وفي الكواكب المجاورة فوقع اختيارك على هذا الحسن! فمن يكون هذا؟ وما اسمك ايتها الأميرة؟!.

قالت الأميرة : إسمي الأميرة خلود, ويا هل ترى هل اخطأنا المكان أيها الحارسان ؟ أراهما لا يعرفان أمير النور فكيف سنحرره من أسره ؟

الحارس الأول : لم نخطئ يا مولاتي , نحن بكوكب الأرض وهذه مصر , تقاطعه هناء قائلة : صحيح نحن في القاهرة , ولكننا لم نسمع عن الحسن , وماذا كتب في كتبه التي أعجبتكم وما الذي اخترعه ؟

الأميرة خلود : إنه بصري .

أحمد : انتظري قليلا , بصري يعني من البصرة والبصرة في العراق وليس في القاهرة

خلود : أعلم ان البصرة في العراق , ولكنه جاء لمصر بعد أن دعاه حاكمها .

أحمد : ولماذا جاء ؟

خلود : لقد ذاع صيته بين العلماء ولقبوه بأمير النور لأن له مؤلفات قيمة في علم الضوء كما أن له مؤلفات في الرياضيات والهندسة وعلم الحركة وفي الطب وقد رسم للعيون رسما تشريحي رائع كما أنه يعرف في الفلك وقد أرسل لنا عدة رسائل أثناء أسره .

هناء : علم الحركة , تعبير قديم يعني الميكانيكا .

أحمد : ما هذا الخلط ؟ هل هو طبيب أم مهندس أم عالم فزيائي في علم الضوء أم فلكي ؟! هذا شئ عجيب .

خلود: نعم انه يجمع بين هذه العلوم جميعا بجانب العلوم الإنسانية.

أحمد : لم تقولي لماذا جاء إلى مصر .

خلود : قال انه ورد ذكر عبارة له في كتاب مختصر( أخبار الحكماء ) لمؤلف اسمه القفطي

هناء : القفطي , هذا أيضا إسم قديم , وما هي العبارة التي قالها الحسن البصري

خلود : قال : لو كنت بمصر لعملت بنيلها عملاً يحصل النفع في كل حالة من حالاته من زيادة ونقصان .

أحمد : وهل أتى متطوعا لهذا السبب ؟

خلود : بل دعاه الحاكم بأمر الله , ولكن الحسن...

( تقاطعها هناء )

هناء : الحاكم بأمر الله , كان هذا منذ زمن طويل !

خلود : نعم من عدة سنوات , فقد لبى الحسن دعوة الحاكم بأمر الله وذهب لأسوان وحاول التنفيذ ولكنه فشل لأن امكانيات أهل الأرض لم تصل لدرجة ان يبني سدا في الماء .

هناء : سداً في أسوان غير السد العالي ؟

خلود : السد العالي !!! معلوماتي ان أسوان ليس بها سد .

أحمد : أكملي قصتك لنفهم مالديك ونرى .

خلود : جاءنا أن الحسن اعتذر للحاكم بأمر الله فتظاهر الحاكم بأنه قبل عذره ولكنه لم يتركه لأبحاثه بل وضعه في وظيفة كتابية رتيبة بطيئة فلم يجد الحسن وقت لأبحاثة ولم يستطع أن يعتذر للحاكم فهو لايأمن شره , لذلك إدعى الجنون, ولكن الحاكم بأمر الله لم يتركه لحال سبيله ولكنه تظاهر بالإشفاق عليه وحدد إقامته في بيته وجعل عليه خادم .

أحمد : يعني ظاهر الأمر مساعدة وفي الواقع هو مسجون .

خلود : لذلك أرسل لنا رسالة لننقذه من هذا السجن .

هناء : الحاكم بأمر الله مر على زمانه اكثر من ألف عام .

خلود : ماذا !!!

أحمد : هل وصلت الإشارة متأخرة كل هذه الأعوام أم أنكم تأخرتم كل هذه المدة لتأتوا .

الحارس : يبدوا أننا خرجنا من دائرة الزمن أيتها الأميرة .

خلود : هذا خبر مؤسف , هل يدلني أحدكم على ما حدث لهذا العالم العبقري .

أحمد : نعم , أنا قرأت عنه .

هناء : وأنا أيضا , إنه الحسن بن الهيثم .

خلود : نعم لقد جاء في رسالته انه الحسن بن الهيثم , وماذا كان من أمره ؟

أحمد : استمر في التظاهر بالجنون حتى مات الحاكم بأمر الله , ثم استأجر بيتا بجوار الأزهر يترجم فيه ويؤلف الكتب ويبحث ويخترع , ولقد نفذنا السد العالي كما رأى الحسن بن الهيثم وحينما تمكنا من التنفيذ .

هناء : لقد كان أول من اخترع الكاميرا وكان اسمها قُمرة بضم القاف يعني الغرفة المظلمة والتي بها شباك واحد .

خلود : ياللخسارة , سأضطر للعودة .

أحمد : أميرتي الجميلة , كنت أتمنى ان أكون معك .

خلود : كوكب العلم يرحب بالعلماء , إقرأ وتعلم وإجتهد , وقتها سننقلك وستكون خلود بانتظارك .

* * *


تمت بحمد الله
إيمان أبو العينين

الأربعاء، 20 فبراير 2008

المعطف الجديد




في بيت فقير بالمدينة كانت تسكن سلمى مع أمها وعندما بدأ الشتاء اقتربت سلمى من أمها تطلب منها ثيابا جديدة شتوية كالتي تراها على زميلاتها والبنات في الحي .

أطرقت الأم وتلألأت الدموع في عينيها وقالت للصغيرة اليتيمة : معذرة يا ابنتي فما لدي من مال يكفي الطعام فقط , لذلك لن أستطيع أن أوفر لك ملابس جديدة , هاهو ثوبك القديم , لقد نظفته لك فأصبح جميلا كالجديد انظري .

قالت سلمى : لكني كبرت عليه قليلاً

الأم : لابأس ارتديه الآن حتى ييسر الله أمرنا , فقد بدأ الشتاء

ومرت عدة أسابيع واشتدت البرودة فأصيبت الأم بنوبة برد ولم تستطع الخروج لشراء الطعام ككل يوم فطلبت سلمى من أمها أن تسمح لها بالذهاب للمخبز , فحاولت الأم النهوض ولكنها لم تستطع , فقالت لها الأم : الجو بارد جداً بالخارج وأنت ليس لديك معطف , لكن لدي فكرة , مارأيك أن تأخذي شالي الذي أخرج به ليدفئك .

وضعت سلمى الشال على كتفيها فوصلت أطرافه إلى الأرض , فقالت لها أمها : لابأس سأربطه لك لترتفع الأطراف .

خرجت سلمى واشترت الخبز وفي طريق العودة كان هناك محلاً لبيع الملابس تقف على بابه مالكة المحل , وبالقرب من هذا المحل وجدت سلمى طفلة صغيرة في مثل عمرها تمشي بصعوبة من شدة البرد , وملابسها خفيفة وكانت تبكي .

فاقتربت منها سلمى وراقبتهما صاحبة المحل فسألتها سلمى لماذا تبكين ولكن البنت كانت ترتعد من البرد فلم تستطع الإجابة فهمت سلمى أن تعطيها الشال فتعجبت السيدة من ذلك ولكن الذي زاد تعجبها ان البنت رفضت وردت يد سلمى برفق قائلة ستصابي بالبرد لو تخليت عنه فحاولت سلمى مرة أخرى ولكن البنت أصرت فقالت لها سلمى الشال كبير يكفينا نحن الإثنتان ولكن تعالي هنا في مدخل هذا المحل حتى لا تسقط اطرافه على الأرض حينما أفك رباطه و نرتديه معاً .

توارت صاحبة المحل لما دخلت البنتان المحل ولفت سلمى زراعها حول وسط الفتاة وفردت الشال ليشمل كتفيهما ثم قالت لها ما الذي كان يبكيكِ فقالت البنت , أعطتني أمي مالاً لأشتري الخبز ولكنه سقط مني لست أدري أين ذهب فأدخلت سلمى يدها في الكيس وأخرجت رغيفاً أعطته للبنت وقالت لها لا تحزني سنأكل سوياً , وقبل أن تنطلقا خارجتين من المحل إستوقفتهما صاحبته وقالت لهما إنتظرا , إن لكما عندي هدية وأعطت لكل منهما معطف جديد ولكن البنت شكرتها ورفضت إستلام المعطف وكذلك فعلت سلمى قائلة حينما أوفر المال سأشتريه منك , فقالت السيدة ولكنكما دخلتما المحل وأنا كنت أنوي أن أعطي هدية لأول من يدخل المحل في هذا اليوم حيث أن الجو بارد كما ترون وأنتما فزتما بهذه المسابقة , فرحت البنتان فرحاً عظيماً وشكرتا السيدة وارتدت كل منهما المعطف وهي سعيدة .

***

حكاية الألوان






في يوم من الأيام بدأت الألوان يتباهى كل واحد ويفتخر بنفسه ويثبت للآخرين أنه الأفضل.

فقال اللون الأبيض:

- أنا رمز الصفاء والنقاء والمحبة والطهارة والسلام , ولم أجد في الألوان أفضل من لوني .

الأحمر: بل أنا الأفضل فأنا لون محبب يحبني الكبار والصغار.

الأسود: بل أنا رمز العز والسؤدد بدوني لا يظهر جمال الألوان.

فغضب الأصفر وقال :

- وهل تكون الألوان ألوان بدون الأصفر, أنا أجمل الألوان على الإطلاق .

تشاجرت الألوان كل منهم يحاول أن يثبت أنه الأفضل .

فغضبوا وتخاصموا وترك كل منهم الآخر وانزوى كل واحد ٍِ منهم في ركن .

حاول كلٍ منهم أن يرسم وحده لكنهم فشلوا جميعا ، فحزنوا حزنا شديداً، وبعد فترة من الخصام تأكدوا جميعاً من أنه لا حياة لهم إلا مع بعضهم البعض .

فقرروا عقد مجلسا للصلح وفي ذلك اليوم تعانقوا وبكوا بكاء الفرح وامتزجت دموعهم مكونة ألوانا جديدة من دموعهم:

فمن الأصفر والأحمر خرج اللون البرتقالي .

ومن الأبيض والأحمر خرج الوردي .

ومن الأزرق والأصفر خرج الأخضر.

وظهرت من بينهم ألوان جديدة بفضل المحبة والتعاون ولونوا رسوما عديدة وبديعة

الثلاثاء، 19 فبراير 2008

مغامرات نقطة

مرحبا بكم يا أصدقائي ... أنا نقطة .. هل تعرفونني ؟ أنا نقطة ماء أعيش هنا في النهر ولي رحلات وجولات كثيرة في الكون الواسع ... سآخذكم اليوم في رحلة من رحلاتي ... هيا بنا نصعد لسطح النهر لتبدأ رحلتي الأولى ... أنظروا ها أنا ذا على سطح النهر وكما ترون الشمس تسلط أشعتها علي لكي أتحول ... هل تتعجبون ؟ يبدوا أنكم لا تعرفون أنني أتحول لبخار ماء .. انظروا كيف يشف لوني ويخف وزني .. و ... ها أنذا أصبحت بخار ... أنظروا إنني أصعد بسرعة ... وهذه نقاط مثلي تحولت لبخار ... إنهن يصعدن معي ... إنهن يقتربن ويقتربن .. وها نحن نصعد ونصعد ونقابل المزيد من بخار الماء ... لقد صعدنا كثيرا .... انظروا كيف يتراكم بخار الماء من هنا وهناك ...لقد أصبحنا سحابة وهذه الرياح تدفعنا بقوة لنكمل الرحلة ... تسألون إلى أين ؟ إلى حيث يشاء الله .... أرأيتم إن الجو بارد جدا ... أكاد أتجمد ... وهذه كتل السحاب ترتطم بعظها ببعض ...لقد حان وقت السقوط .. هل تخافون ... لا عليكم أنا أفعل ذلك دوما ... أنظروا للمكان الذي اقتربنا منه ... إنني أرى الأرض من هنا ... إنها أرض جرداء ... ونحن حبات المطر أوشكنا أن نملأ المكان بالماء ... ها نحن سقطنا على الأرض ... انظروا للأرض العطشى كيف ترتوي ... وهذه الحبات التي تحملها الرياح وتلقي بها على الأرض .. إن حبات الماء تمتزج بالتربة .. والحبوب تتشرب الماء والأملح الذائبة فيه , وتنتفخ , وتدب فيها الحياة فينبت بها جذرا ينغمس في التربة ويتوغل فيها ..أنا الآن بداخل النبتة والنبتة تمتص المزيد من الماء والأملاح من التربة لتنمو وتنمو ويتكون الساق ثم الأوراق ... وأنا ما زلت بداخل النبتة .. ولكني لم أعد نقطة ماء ولا بخار ماء .. بل امتزجت بعصير النبات الخلوي وها أنذا أصعد في أنابيب الساق ثم أصل لورقة من الأوراق التي يتم بها تصنيع الغذاء للنبات وفي الورقة أيضا فتحات بخلايا البشرة لتخرج منها ما يزيد عن حاجتها من الماء وهذه العملية تسمى بالنتح ... وها أنذا أخرج من الورقة فتسلط الشمس أشعتها علي لأتبخر من جديد ثم أصعد وأصعد .. وأقابل المزيد من بخار الماء .. ويتراكم بخار الماء ونستمر في الصعود لنكون سحابة تدفعنا الرياح لنكمل الرحلة ... ماذا تقولون ... إلى أين ؟... إلى حيث يشاء الله ... إلى اللقاء في رحلة أخرى من رحلاتي
نقطة

الثلاثاء، 5 فبراير 2008

قصة سيدنا إبراهيم ( 1)


قصة سيدنا إبراهيم مبسطة للأطفال



ان ترتيب إبراهيم الثاني في إخوته فقد كان أخوه الأكبر ناحور الذي سمي على اسم جده .. والأصغر هاران الذي سمي على إسم عمه ... وكان أبوه آزر يصنع الأصنام من الخشب ... وكان الناس في ذلك الوقت يعبدون الأصنام والكواكب والنار ويؤلهون الملك وكان يدعى النمروذ... وكان قوم ابراهيم يعبدون كوكب الزهرة ويجسدون له صنما يرمز له , ويسمونه مردوخ ... وكانو يعبدون الشمس ويجسدون لها صنما يدعى شماش .. ويعبدون القمر ويجسدون لها صنما يدعى نانا ... شب ابراهيم وسط هذا الجو الفاسد .. وبدأ يحاور قومه وهو صبيا ويرفض عبادة الأصنام... وشب إبراهيم وقد رفض أن يساعد أبوه في بيع الآلهه فعمل في رعي الغنم وتزوج ابنة عمه سارة وتزوج أخوه ناحور من اختها مالكا ... وتزوج هاران وأنجب لوط ثم مات فتبنى ابراهيم لوط ابن أخيه ... واستمر ابراهيم يجادل قومه في أمر الأصنام حتى جاءه الوحي فبدأ يدعوا لدين الله صراحة ... ويحذر قومه من الكفر بالله أو الشرك به ... ولكن لم يؤمن به أحد إلا زوجته سارة فقد آمنت به وصدقته ... وبدأ أبوه يهدده إن لم يتراجع عن دعوته لربه أن يرجمه .. ولما وجد إصرارا من إبراهيم قال له اهجرني مليا ... فامتثل لأمر أبيه وهجره وظل يستغفر لأبوه ويدعو له ... فلما كان يوم العيد ذهب إليه أخوه ناحور يدعوه أن يشاركهم عيدهم فيجمع شمل الأسرة مرة أخرى .

وكان من طقوس عيدهم أن يذهب الناس للمعبد الكبير حيث يسجدون للأصنام من دون الله ويسجدون للملك النمروذ ويطلبون منه أن يطيل أعمارهم ... ثم يذهب الملك بالسفينة ليعبر نهر الفرات فينقل تمثال الإله نانا لمعبد آخر على الضفة الأخرى من نهر الفرات ... وبعد انتهاء مراسم الإحتفال بإلههم نانا ..يعودون لنفس المعبد ... وقرر إبراهيم أن يكيد قومه ويعلمهم أن آلهتهم لا تضر ولا تنفع ... فقال لأخيه لما دعاه بعد فترة تفكر .. قال إني سقيم ... إي أنه اعتذر عن الذهاب معهم ... وجاء يوم العيد وانتظر ابراهيم الناس المزدحمون في المعبد حتى انتهوا من مراسمهم وعبروا الفرات خلف ملكهم لينقلوا تمثال إلههم نانا ... ولما ذهب كل قومه خلف الملك وتركوا المعبد خاليا دخل إبراهيم فوجد القوم وضعوا أمام الأصنام مالذ وطاب من الأطعمة والأرغفة واللحوم المشوية ... فقال للأصنام في استهزاء مالكم لا تأكلون ... ألا تنطقون ... ثم قام وكسر جميع الآلههة التي يقدسها قومه إلا كبيرهم ... الذين يسمونه مردوخ فقد وضع في يده القدوم الذي كسر به الأصنام ثم ترك المعبد وانصرف ... ولما عاد الناس بعد أداء طقوس عيدهم وجدوا الأصنام محطمة ... فغضبوا أشد الغضب وتسائل النمروذ من الذي فعل هذا بآلهتكم .. فقالوا له ليس هناك إلا شخص يذكرهم بسوء واسمه إبراهيم ... فأمرهم أن يأتو به ... فأتوا به ... فسأله النمروذ هل أنت الذي فعل هذا بآلهتنا ... فقال إبراهيم بل فعله كبيرهم هذا ... فسكت القوم برهه ... وهم يتسائلون ... أحقا غضب كبير الآلهه على باقي الأصنام فحطمها ثم عادوا لأنفسهم سريعا وقالوا ... إنهم لا ينطقون فكيف يتعاركون .. وهنا بدأ يحاورهم إبراهيم ... .. أفتعبدون ما تنحتون ... والله خلققكم وما تعملون ...أفتعبدون من دون الله مالا ينفعكم شيئا ولا يضركم , أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون..قال له الملك : من إلهك الذي تدعوا إليه ? فيقول إبراهيم :- رب السموات والأرض وما بينهما . فاعبده واصطبر لعبادته فقال كبير الوزراء في خبث: إله غير النمروذ ... إنه إلهنا العظيم فيقول الملك : إن كنت في ريبة من أني ربك فقل لي من هوربك .

يقول إبراهيم :- إن ربي يحي ويميت .

يقول النمروذ: أنا أحيي و أميت , فيقول إبراهيم :- كيف تحيي وتميت ?

يرد النمروذ : آخذ الرجلين قد استوجبا القتل في حكمي فأقتل أحدهما فأكون قد أمته واعفو عن الآخر فأتركه فأكون قد أحييته .

يقول إبراهيم :- إن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب .

( فبهت الذي كفر وهاج الكهنة وصاحوا في الناس ... إنتصروا لآلهتكم ... ارجموه احرقوه .. وإلا غضبت عليكم الآلهة .... فيصيح الناس ... ارجموه احرقوه )

النمروذ : ابنوا له بنيانا ... واجمعوا له الحطب ... وليحرق جزاء كفره بآلهتنا وتكذيبه لنا ...


فأخذه الجنود ليسجن تمهيدا لحرقه ...


**


( أمر الكهنة الناس أن يزيدوا صلواتهم للأصنام حتى ترضى وأن يتبرؤا مما فعل إبراهيم ... وجمع الناس كمية من الحطب مهولة ... حتى أن المرضى كانوا ينذرون أن يجمعوا الحطب لإبراهيم إن شفتهم آلهتهم )


واختاروا أرضا صلبة منخفضة أحاطوها ببناء من حجارة على مساحة كبيرة جدا كما يحاط البئر ... ووضعوا فيها ما جمعوه من حطب ... وصنعوا له منجنيقا ليقذفوه منه إلى النار .... وجاء اليوم الذي ظن فيه الكفرة أنهم ينتصرون لآلهتهم ... ووضعوا إبراهيم عليه السلام في المنجنيق بعد أن قيدوه .... واشعلوا نارا عظيمة في تلك المحرقة المهولة .

فأمر الله النار ( يانار كوني بردا وسلاما على إبراهيم ) .. وقذفوا إبراهيم في النار ... فلم يحترق إلا قيده وظل فيها يسبح الله ويحمده ويشكره ... فصاح الناس إنه حي ... إنه يتحرك ... فعجب النمروذ وصعد في برج عالي ليشاهد بوضوح فوجده حي يتحرك في النار ويسجد لله شكرا ... فتملكه العجب ... وخرج إبراهيم من النار .... بعد أن بين الله لخلقه أنه قادر على كل شئ ...خرج إبراهيم من النار وهوسليم معافي ليس به أي أذى .. خرج إبراهيم من النار والناس يقولون نعم الرب رب إبراهيم ...لقد آمن إبراهيم بالله وحده لا شريك له ونبذ الكفر ورفض الشرك ... وتحدى عقول قومه وحاجهم ليعلمهم فظلموه فصبر وثبت وقرروا إلقاءه في النار فلم يأبه ولم يخاف ... لم يكن يريد إلا وجه الله تعالى ... ولم تكن هذه نهاية قصة إبراهيم عليه السلام بل كانت البداية ... كانت بداية دعوته للناس بعد أن ترك قومه ورحل من بينهم إلى حيث يشاء الله , يدعوا الناس لسبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة وكان له بين الناس قصص ومواقف نذكرها لا حقا بإذن الله

حكاية مصرية الجزء الأخير



تجلس هنية تطوي الملابس وترتبها للصغار ثم تقوم لتضعها في مكانها فتشعر بدوار، فتجلس من شدة الدوار ثم تعاود المحاولة لتقع مغشيا عليها فتنزعج سعاد.
سعاد: أمي هنية، ردي علي..!!!!.
( تتركها سعاد وتجري تنادي على جاراتها)
سعاد: خالتي صباح، خالتي إيفون.
( يلتف الأطفال حول هنية يحاولون إفاقتها )
* * *
أم إبراهيم الداية وصباح وإيفون في غرفة نوم هنية يطمئن عليها أما هنية فممدة على السرير ويبدو عليها الإعياء.
أم إبراهيم: كما قلت لك هذه أعراض حمل.
هنية: هل أنت متأكدة يا خالة أم إبراهيم.
أم إبراهيم: طبعا متأكدة.
إيفون: لو لم تكن الظروف سيئة  لأطلقت زغرودة.
هنية: إياك أن تفعلي ، فيكفينا ما نحن فيه من حزن.
صباح: لعل الله أراد لكم أن تخرجوا من الحزن يا هنية، جعله الله قدم الخير والسعد علينا جميعا.
* * *
الأصدقاء الأربعة حبيب وعزيز وسعد وفؤاد يجتمعون في بيت بطرس وحدهم.
فؤاد: هل سمعتم ما قاله عمي عبد التواب؟ هل تفكرون فيما أفكر فيه؟
سعد: نعم هذا يعني أن المغول يعبثون هنا، وأنهم سبب حريق المصنع والمخزن.
حبيب: ولا تنس التسمم الذي كدنا نصاب به والتسمم الذي أودى بحياة عمي عوض وزوجته رحمهما الله.
عزيز: هذا يعني أنهم حولنا ومندسون بيننا.
فؤاد: لذلك يجب أن نفتح عيوننا وعقولنا لكل كبيرة وصغيرة.
* * *
يدخل فهيم بهو البيت فيستقبله الصغار الذين يبشرونه بحمل زوجته.
الأطفال: أمي هنية حامل، أم إبراهيم كانت هنا.
فهيم: ماذا تقولون ، الآن !!, غير معقول، هذه حكمتك يا رب.
* * *
أسدل الليل ستائره السوداء فلا نكاد نتبين أي شيء، نسمع صوت طفل صغير يبكي من الألم ، صوته يبدد سكون الليل فتفتح الأنوار ونرى بهية تخرج بالطفلة الصغيرة أخت سعد لبهو البيت تحاول أن تهدئها ويخرج خلفها فهيم ثم يصحو الأطفال الواحد تلو الآخر.
هنية: البنت مصابة بمغص، سأغلي لها كمون مع نعناع.
(تعطي هنية الطفلة لفهيم ثم تدخل لتصنع مشروباً للطفلة المريضة)
هنية: خذها قليلاً إلى أن أصنع لها المشروب.
( يأخذها فهيم ويربت على كتفها وهي تبكي ويجلس بجواره سعد وفؤاد، وبعد قليل ترجع هنية من الداخل )
هنية: لقد نفد الكمون الغير مطحون والذي يصلح للغلي، هلا أحضرت لي قليلا منه من المخزن.
( يعطيها فهيم الطفلة ثم يحضر المفتاح ويفتح الباب لينزل فيتبعه سعد وفؤاد، أما هنية فهي تمسك الطفلة بحنان وتربت على كتفها والطفلة ما زالت تبكي )
* * *
 ( يفتح فهيم باب المخزن وفي يده فانوس يضيء له المكان وإلى جواره فؤاد وسعد وما أن فتح الباب حتى انطلقت قطة صغيرة داخل المخزن )
سعد: لا بأس سأخرجها من المخزن أنا وفؤاد.
( يدخل فهيم يحضر الكمون ويصعد ويترك الطفلين ليخرجا القطة ويغلقا الباب، يجري سعد خلف القطة فتجري بدورها منه، ثم تصعد فوق الأجولة المتراصة فوق بعضها والتي يصل ارتفاعها إلى شُرَّاعَة الباب الذي يسكن خلفه مبروك فيصعد فؤاد خلفها، ولكنها أفلتت منه وكانت شُرَّاعَة الباب الزجاجية مكسور منها جزء صغير، فلفت نظر فؤاد نار متأججة لمحها داخل غرفة مبروك ، فنظر من الجزء المكسور فيقول سعد : هاهي القطة،  فيشير إليه فؤاد أن يصمت ثم يدعوه لينظر معه من هذا الجزء المكسور ، ينظر الولدان فيجدا مبروكاً قد أشعل ناراً في إناءٍ غريب وهو في وضع سجود ثم رفع رأسه من وضع السجود ثم أخذ يتكلم بلغة غريبة ولكن الملاحظ أن طريقة كلامه كانت سليمة بلا تلعثم أو ثأثأة أو لثغ.

***
( في بيت فهيم؛ الطفلة الصغيرة هدأت وبدأت تستسلم للنوم واستكانت في حضن هنية فقامت تضعها في فراشها، دخل سعد وفؤاد وهم في حالة من ذهول لما حدث، أخذ فهيم المفتاح ثم هَمَّ بدخول غرفته لينام؛ فاستوقفه الأطفال ليكلموه... ).
فؤاد: عمي فهيم!! نريدك في أمر مهم.
فهيم: خيراً !!.. ألا تنتظرا الصباح؟.
سعد: لا...!!!.  بل الآن !.
( يتوجس فهيم من لهجتهما )
فهيم: خيراً !..  ما الذي حدث؟.
فؤاد: سنحكي لك عن ما رأيناه اليوم بالمخزن.
فهيم: سنحكي لك بشرط ؛ أن تعدنا بأن تفكر جيداً قبل أن تتصرف.
فؤاد: بين يديك أن تأخذ بثار أبي، وأبي سعد، وأهل بغداد جميعاً.
سعد: والأهم أن تمنع الشر عن مصر .
( ينظر إليهما فهيم نظرة غريبة متعجباً)
فهيم: أنا لا أفهم شيئا !!.
سعد: سنحكي لك وستفهم.
فؤاد: المهم أن نتصرف بحكمة، لا نريدهم أن يهربوا.
( يتكلم الأطفال بغضب )
* * *
اليوم الجمعة والوقت الظهيرة وصوت قراءة القرآن يملأ المكان، فهيم على باب شقة بطرس يدق الباب فيفتح جورج...
فهيم: كيف حالك يا جورج؟.
جورج: بخير يا عمي، تفضل.
فهيم: أريد أباك.
(  يحضر بطرس عندما سمع صوت فهيم وينصرف جورج )
بطرس: تفضل يا أخي.
فهيم: ليس لدي وقت إنه موعد الصلاة، أسمع يا بطرس سأنتظرك بعد الصلاة في بيت عبد التواب.
بطرس: إنه يأتي دائما إلى هنا ليلاً  فلماذا؟
فهيم: ششش اخفض صوتك، ولا تقل لأحد من أهل البيت، ولا تسأل كثيراً، عندما تأتي ستفهم .
( يكمل فهيم عبارته وهو يبتعد بينما بطرس متعجب ثم يعلو صوت المؤذن بالأذان )
* * *
وصل فهيم إلى الجامع ثم وقف ينتظر على باب الجامع إلى أن وصل على فانحنى فهيم ليخلع حذاءه ويحدث علي بصوت منخفض.
فهيم: سنجتمع عند عبد التواب بعد الصلاة.
علي: لماذا ال....؟
فهيم: ششش أخفض صوتك ونفذ ما أقوله لك. 
( ينظر له علي باستغراب بينما فهيم يدخل الجامع وينتظر بجوار الباب من الداخل إلى أن يأتي عبد التواب فيحدثه بصوت منخفض )
فهيم: مرحبا عبد التواب، سنجتمع عندك بعد الصلاة.
عبد التواب: على الرحب و...
فهيم: ششش، اخفض صوتك وأبلغ سليماً  .
( يدخل فهيم الجامع ويجلس بين المصلين)
* * *
اجتمع الأصدقاء في بيت عبد التواب وهم حائرون لا يدرون سبب تصرفات فهيم الغريبة.
علي: خيراً يا فهيم, ماذا حدث؟.
فهيم: جمعتكم اليوم لأمرٍ خطير، ولقد اخترت بيت عبد التواب لأنه يعيش وحده بعد موت زوجته وزواج ابنه.
بطرس: ما سبب هذه السرية العجيبة ؟.
سليم: ماذا حدث؟.
فهيم: إنهم المغول، لقد كنا معاً بالليلة الماضية؛ وكنا نتكلم عن المغول أمام الصغار، وفي الليل حدث ما أكد لنا وجودهم بيننا وعرفت أحدهم.
الجميع: من؟
فهيم: مبروك.
الجميع: غير معقول !!!!!
* * *
الأطفال الأربعة مجتمعون على السطح وحدهم يجلسون تحت التكعيبة... حبيب وعزيز وفؤاد وسعد.
فؤاد: هذا هو الأمر الذي اكتشفناه ولأنني أثق بكما قد حكيت لكما لكي نتتبع جميعا هذا الرجل ونعرف من أعوانه.
حبيب: لقد لاحظت أنه كان سعيداً وقت أن سمع خبر نعي الخليفة وانتصار هولاكو على العراقيين .
عزيز: انتظر، ألا تذكر يا حبيب يوم أن رأيناه يخرج من بيت أمنا إيفون .
حبيب: نعم أذكر، لقد ادعى أنه يسأل عن الكنافة ، نعم الكركديه، هو الذي دس السم في الكركديه، ولولا أنه وقع على الأرض لمتنا جميعا.
عزيز: بعد ما عرفته لا أطيق أن أرى هذا الخائن.
سعيد: لا، لا نريد أي  انفعال، علينا أن نتحلى بالصبر لنصل إلى أعوانه .
عزيز: من البداية لم أشك فيه لأنه أبله .
فؤاد: هو ليس أبلهاً ولا نحن بلهاء.
* * *
مازال الرجال مجتمعين عند عبد التواب.
فهيم: هذا ما عرفته أضعه بين أيديكم فما رأيكم؟
عبد التواب: احذر أن يشعر أنك تفهمه، حاول أن تتجاهله ولا تجعله يغيب عن نظرك.
سليم: علينا أن نراقبه، ولكن دون أن يشعر.
بطرس: أتعجب من كل ما يحدث، ولكنه أمر خطير.
عبد التواب: وصلني أن هولاكو يستولي على البلد تلو الآخر وأنه على وشك أن يدخل حلب.
سليم: لو دخل الشام فلن يبقى أمامه إلا مصر، ولابد من صده قبل دخوله هنا.
فهيم: يلزمنا المال والرجال والقيادة الراشدة.
علي: علينا أن نمسك بالجواسيس أولا ثم يفعل الله ما يشاء.
* * *
يجتمع علي وفهيم وبطرس وسليم وعبد التواب على  السطح ويتكلمون بصوت منخفض والأطفال الأربعة يشاركونهم الجلسة.
سليم: بلغني أن الأمير بيبرس البندقداري قدم من الشام بعد أن استولى هولاكو على حلب والشام ، وانضم لجيش مصر.
فهيم: لم يعد هناك وقت ينبغي أن نتحرك تجاه الهدف بسرعة.
بطرس: نعم فالوقت ليس في صالحنا.
* * *
مبروك يذهب ويجيء في الحارة يتكلم بعبارات تثير الخوف والفزع في نفوس الناس، والأطفال الأربعة يتظاهرون باللعب.
مبروك: آآه من زمان العجب ،  فيه الحرب بلا سبب، وفيه الدم إلى الركب، من الأزهر إلى الحسين وَعْدٌ كُتِبْ.
( يمشي مبروك وهو يردد هذه العبارة ويخرج من الحارة )
سعد: تعالوا نلعب في حارتنا.
( ينطلق الأطفال خلف مبروك...)
* * *
وقف مبروك يقول نفس العبارة على باب الخان فخرج أعوانه الثلاثة بعد قليل, يمشي مبروك  ويمشي خلفه الجواسيس؛ والأطفال يتظاهرون باللعب بطوبة صغيرة يقذفونها بين بعضهم بعضاً ويحدثون جلبة
مبروك: آآه من زمان العجب،  فيه الحرب بلا سبب، وفيه الدم إلى الركب، من الأزهر إلى الحمام وعْد كُتِبْ.
ينظر الأطفال إلى  بعضهم بعضاً، ويقذفون الطوبة بين أرجلهم ويراقبون ، فإذا بمبروك ينصرف في اتجاه والجواسيس في اتجاه آخر فينطلق عزيز خلف مبروك وينطلق الباقون خلف الجواسيس الباقين.
* * *
عاد مبروك إلى الحارة وكان خلفه عزيز، دخل مبروك غرفته، ثم دخل عزيز دكان فهيم فسأله فهيم عما حدث بصوت منخفض ، وبدأ عزيز يكلمه ويحكي له كل ما رآه وسمعه.
* * *
وصل الجواسيس الثلاثة إلى باب الحمام والأطفال الثلاثة خلفهم، ثم رسموا رسماً على الأرض وتظاهروا باللعب عليها؛ وظلوا يقفزون فوق هذا التقسيم ( لعبة الأولى )، وبعد قليل وصل فهيم الذي أبلغه أحد الصغار بما حدث و فهم من عبارة مبروك أنه يدعو جماعته للذهاب إلى الحمام ثم أخرج حافظة نقوده وأخذ يعد نقوده، ثم تظاهر بأنه فقد شيئاً وظل يبحث عنه، خرجت جارية من باب الحمام ترتدي حبرة سوداء .
نظرت إليهم وتظاهرت بأنها ستقع وأوقعت منديل به شيء، وتركته وانصرفت مسرعة فالتقط أحدهم المنديل وانصرف وبقي واحد، ثم انطلق فهيم خلف الفتاة يمشي خلفها ويتكلم معها من بعيد وبصوت منخفض.
فهيم: يا للجمال، ليتني أعرف أين أباك لأخطبك الآن؟. ألن ترحمي قلبي وتدلينني عليه؟.
( تبتسم الفتاة وتستمر في المشي ويستمر خلفها فهيم )
* * *
مازال الأطفال الثلاثة يلعبون في الشارع أمام الحمام
وما زال أحد الجواسيس يتمشى حول الحمام إلى أن خرجت جارية أخرى ترتدي الحبرة أيضاً، تمشي الجارية خطوتين ثم تسقط منديلا حريرياً ملفوفاً، يلتقط الرجل المنديل وينصرف؛ فيمشي الأطفال خلف الفتاة وهم يتظاهرون باللعب بالطوبة كالكرة الصغيرة يقذفونها بين أرجلهم.
* * *
في غرفة الأولاد ببيت فهيم يتحدث فهيم مع الأطفال الأربعة وقد أغلقوا عليهم الباب.
فهيم: من الجملة التي قالها مبروك فهمت أنهم ذهبوا إلى الحمام.
عزيز: وإلى أين وصلت هذه السيدة التي تبعتها؟
فهيم: ذهبت لبيت الأديب الشاعر سيف الدين أبي الحسن.
حبيب: ترى هل هي جاريته؟.
فهيم: هذا مؤكد، فالأمير سيف الدين ليس مجرد شاعر، إنه يعمل في شد الدواوين ويلازم الوزير باستمرار.
فؤاد: ماذا يعني شد الدواوين؟.
فهيم: إنه رفيق الوزير والمسئول عن دواوين المالية بالدولة، وأنتم ! أين ذهبت الجارية التي تبعتموها؟
عزيز: قصر الملك المنصور.
فهيم: شيء عظيم, لهم عين عند الملك المنصور وعين عند الأمير سيف الدين وعين عندنا في الحارة، وأيديهم المنفذة بالخان.
حبيب: لا بد أن نقبض عليهم بسرعة.
فهيم: سأجتمع بالرجال لنعرف إلى من نتكلم، وإلى من ننضم، أخشى ألا يُقدّر المنصور خطورة الموقف.
( تفتح هنية باب الغرفة لتستطلع الأمر )
هنية: مالكم تجلسون وحدكم؟
فهيم: لقد جعنا فقلنا نأتي لنأكل ولكن يبدوا أن الطعام لم ينتهِ بعد.
هنية: من الذي قال لك ذلك؟ الطعام جاهز سأعده لكم خلال دقائق.
* * *
يجتمع الرجال عند عبد التواب وقد استمعوا لأخبار فهيم الجديدة.
عبد التواب: لقد وصلنا إليهم وينبغي أن نتحرك بسرعة.
سليم: لقد جئت لأقول لكم أخبار مهمة حدثت اليوم، بعد انضمام بيبرس إلى قطز، جاءنا طلب من هولاكو باستسلام مصر، وقد انتخب كبار البلد قطزاً لأنهم يرونه الأفضل والأقدر على خوض هذه المعركة المنتظرة.
بطرس: وماذا فعل مع الملك المنصور؟
سليم: لقد حدد إقامته في قصره مع والدته.
( يقف فهيم قائلا )
فهيم: إذا فالحديث يكون مع قطز .      
فهيم: هيا بنا يا رجال.
علي: الآن؟.
فهيم: نعم وبلا أي تأخير.
* * *
في بيت الأمير قطز الرجال يتكلمون معه بحماس وقد قصوا عليه قصة الجواسيس فقال لهم )
قطز: لقد فهمتكم ، ولا تخشوا أمر الجواسيس، فمادمنا نعرف مكانهم فسنقبض عليهم في التو، أما رغبتكم في الانضمام إلى المحاربين فيلزمكم تدريب تحت قيادة بيبرس، عليكم بجمع المتطوعين وعلينا الباقي.
* * *
سعد يستمع إلى فهيم باهتمام.
سعد: انتظر يا عمي فهيم لقد أسرعت بالحديث ولم تقل لي كيف أُبْعِدَ الملك المنصور؟.
فهيم: لقد وصل إلى مصر "كمال الدين عمر بن العديم" رسولاً من الملك الناصر صلاح الدين يوسف صاحب حلب والشام ، فأنزله قطز بالكبش فجمع القضاة والفقهاء والأعيان لمشاورتهم في أمرِ المغول وحضر هذا الاجتماع الملك المنصور.
سعد: حسنا، وماذا بعد؟
فهيم: كانوا يتحدثون عن المغول، وقد قال الشيخ "عز الدين بن عبد السلام": إنه إذا طرق العدو بلاد الإسلام وجب على العالم قتالهم وجاز لكم أن تأخذوا من الرعية ما تستعينوا به على جهادكم بشرط ألا يبقى في بيت المال شيء، وتبيعون ما لكم من الحوائص المذهبة والآلات النفيسة ويقتصر كل جندي على مركوبه.
سعد: انتظر يا عمي ، لا تسترسل، ما معنى كلمة حوائص؟
فهيم: إنها أداة يلعب بها الأمراء الكرة وهم يركبون الخيل، وخلاصة القول أن يبدأ الملك والأمراء بالتخلي عن الترف ويبدئوا بالتبرع وينفقوا كل ما في بيت المال ثم يفتحوا باب التبرع لعامة الناس.
سعد: مطالب عادلة، وما رأي المنصور؟
فهيم: إنه لم يشارك بالرأي أبدا فهو صغير السن لا يكاد يفهم مثل هذه الأمور.
سعد: إنه أمر خطير.
فهيم: لقد طالب الناس بخلع المنصور وتولية قطز.
سعد: أي أننا الآن في عهد قطز.
* * *
العساكر يسوقون الجواسيس جميعا والناس يهللون ويكبرون ويدعون الله أن ينصرهم.
* * *
فهيم يخرج من حجرته مسرعاً ومعه صندوق صغير وخلفه هنية يكلمها وهو متعجل.
فهيم: هذا الصندوق فيه كل ما ادخرته ولابد أن أساهم به لتجهيز الجيش يا هنية.
هنية: انتظر.    
( يتوقف فهيم فتخلع هنية أساورها وقرطها وعقدها وخاتمها ثم تعطيه لفهيم )
هنية: خذ هذه الأشياء معك فقد تنفع.
فهيم: ولكن!!
هنية: لا تراجعني فأنا لا أريد من الدنيا إلا أن تعود لي منصوراً سالماً.
( يربت فهيم على كتفها ثم يأخذ الذهب وينصرف )
* * *
فهيم في دكانه ؛ وقد وضع أمامه الصندوق الذي به المال والذهب؛ فإذا بأهل الحارة يضعون تبرعاتهم لفهيم والنساء تضعن له حليهن الذهبية حتى ملأت التبرعات المائدة التي وضعت عليها.
* * *
في بيت قطز فهيم وعلي وبطرس يضعون تبرعات أهل الحارة ؛ فيأخذها قطز ويضعها بجوار باقي التبرعات ؛ فإذا هي مال وفير .
* * *
سعد وأخته في بيتهما يجمعان الأواني النحاسية والأباريق النحاسية ثم يحملانها بصعوبة ويخرجان من البيت.
* * *
فؤاد يركب الكَارِته ( عربة سوداء يجرها حصان ) وفي يده صرة صغيرة.
* * *
 (سعد وسعاد في محل بائع النحاس ).
سعد: إذاً فقد اتفقنا على السعر، هات الثمن وخذ النحاس ، بارك الله لك.
البائع: وعوض عليك يا ولدي.
( يأخذ الرجل النحاس ثم يعطي سعد المال فيأخذه وينصرف )
* * *
 ( فؤاد يمشي في الحارة متوجها إلى البيت وفي يده الصرة ، يمر على دكان عمه فيسلم عليه.
فؤاد: السلام عليك ياعمي .
فهيم: وعليك السلام ، أين كنت يا ولد كل هذا الوقت؟.
فؤاد: المهم هل فاتني طعام الغداء؟.
فهيم: لم يفتك، ولكنك اقلقتني عليك، وأين ذهب سعد وأخته؟.
( يأتي سعد وأخته في هذه اللحظة )
فهيم: أين كنتم جميعاً؟.
فؤاد: هيا نتناول طعام الغداء ونتكلم.
فهيم: هيا، ولكن لن أغفر لكم غيابكم بدون إذن.
* * *
هنية تحضر طعام الغداء ويساعدها الأطفال بوضع الصحون على المنضدة الكبيرة.
هنية: ها قد عدتم أخيراً، أين كنتم يا أولاد لقد أقلقتمونا عليكم؟.
فؤاد: أنا كنت في البلد.
فهيم: ماذا قلت يا ولد؟ هل سافرت وحدك؟
فؤاد: هذا مصاغ أمي ، خذه يا عمي وضمه للتبرعات.
فهيم: ولكنه مصاغ أمك، كيف تفعل ذلك، هذا لن يكون ما دمت حياً.
( يدفع سعد إلى فهيم المال الذي كان في يده )
سعد: خذ يا عمي هذا هو ثمن النحاس الذي في بيتنا.
فهيم: أتبيع نحاس البيت يا سعد؟.
هنية: وأنت يا فؤاد كيف تتبرع بمصاغ أمك؟ كيف طاوعك قلبك؟ كيف تفعلون ذلك؟.
سعد: لقد اتفقنا أن نفعل ذلك خلسة فنحن نعلم أنكما ستعارضان ، ولكن ينبغي أنكما ستفهمان موقفنا في النهاية.
سعد: لا قيمة لأي شيء والعدو على الأبواب, يمد يده ليسرق سعادتنا وحريتنا وأيامنا المقبلة, ينبغي أن نساهم.
فؤاد: لقد صدق سعد يا عمي، ينبغي أن نساهم جميعا، وعليك أن تفهم موقفنا وتساعدنا.
( يطأطئ فهيم رأسه قليلاً ليفكر ثم يأخذ منهم المال فيبتسمون ويندفعون إلى حضن عمهم )
* * *
في ساحة كبيرة جنود يتدربون على فنون القتال نجد من بينهم فهيم وبطرس وعلي وسعيد بن علي وجورج بن بطرس وغيرهم كثيرون يلبسون ملابس الجنود ويتدربون على القتال.
* * *
لقد تم تدريب الرجال وهاهم يودعون أهلهم ليخرجوا لملاقاة المغول؛ فنجد فهيم وبطرس وعلي وجرجس وسعيد يرتدون زي العساكر ويخرجون من الحارة، وبعدما اجتازوا الحارة انضم إليهم غيرهم من المحاربين، وكل عدة خطوات ينضم إليهم بعض المحاربين.
* * *
 ( بهية وصباح وإيفون خلف المشربية يبكون والأطفال الصغار من حولهم خائفون )
فؤاد: لماذا البكاء؟
سعد: لا وقت للبكاء.
عزيز: لقد بدأ الرجال جهادهم، وبدأ جهادنا.
حبيب: نعم، علينا أن نوزع الأدوار.
فؤاد: سنفتح الدكاكين وستقمن برعاية الأطفال، وهذه الأشياء في غياب الرجال ستكون صعبة وعلينا أن نكون على قدر الموقف .
( تجفف النساء دموعها )
هنية: معكم حق، لابد أن نكون متماسكين وأن نقوم بواجبنا على أكمل وجه.
* * *
في الحارة الدكاكين مفتوحة، حبيب وعزيز في دكان فهيم، وفؤاد في دكان بطرس، وسعد في دكان علي ،  يبيعون ويشترون ويكتبون كل شيء في أوراق أمامهم.
* * *
 ( في المطبخ تجتمع صباح وإيفون وهنية فصباح تعجن العجين ، وهنية جلست وقد انتفخت بطنها تقطع العجين ، أما إيفون فهي تطهو الطعام)
إيفون: أخاف أن يقل الدقيق .
هنية: لا تخافي فلدي جوال ويمكنني أن أحضر لكم دقيقاً من البلد لو قل الدقيق هنا المهم أن نتعود على ترشيد استهلاكنا .
صباح: المهم أن يردهم الله لنا سالمين.
الجميع:  آمين.
* * *
صباح تتحدث مع هنية.
صباح: وماذا سنفعل في هذه المشكلة ، لقد نفد السكر ولا أجد في السوق.
هنية: لما نفد السكر تذكرت جرة العسل التي في المخزن فقسمتها بيننا وهذا هو نصيبك إلى أن يأتي السكر
( تدخل إيفون عليهما وتلقي عليهم السلام وبيدها جوال صغير )
إيفون لا تحملا هما للسكر لقد بحثت حتى وجدت السكر، علينا أن نقسمه بيننا.
* * *
بين الدكاكين نرى الأطفال يقومن بعملهم ويستشير بعضهم بعضاً.
* * *
هنية تطوي الملابس للأطفال، تتقدم منها طفلة صغيرة.
الطفلة: انظري يا أمي لقد قطع ثوبي، هل ستشتري لي ثوبا جديدا؟
( تأخذ هنية من جوارها علبة صغيرة بها إبرة وخيط ، لترفأ ثوب الطفلة )
* * *
أمام الدكاكين جلس الأطفال الأربعة حبيب وعزيز وفؤاد وسعد على الكراسي متجاورين يتحدثون .
سعد: لقد عاد رمضان سريعا وأوشك أن ينتهي.
فؤاد: في رمضان الذي سبقه كنت مع أبي وأمي.
سعد: بارك الله لك في عمك فهيم ورده لنا سالما.
الجميع: آمين.
( يسمعون صوت منادٍ يمر في الشارع )
عزيز: اسمعوا
المنادي: يا أهالي القاهرة، البشرى لنا ولكم، التقى جيش مصر والمغول، وقتل الله قائدهم كتبغانوين، فإلى سقر وبئس المصير، يا أهالي القاهرة، البشرى لنا ولكم.
حبيب: قُتِلَ قائد المغول.
الجميع: الله أكبر.
( تتردد الله أكبر من البيوت ردا علي كلام  المنادي ثم نسمع زغاريد النساء )
* * *
يجلس الأطفال أمام الدكاكين عزيز وحبيب وفؤاد وسعد، تمر أمامهم سعاد وهي تجري ولا تلتفت لهم فينادي أخوها عليها.
سعد: إلى أين يا سعاد؟
سعاد: سأحضر خالتي أم إبراهيم ، خالتي هنية ستلد.
( تقول سعاد كلماتها وهي تسرع ، يقوم الأولاد يغلقون الدكاكين ويسرعون ليكونوا بجانب أمهم هنية ).
* * *
أم إبراهيم تدخل المنزل مسرعة وتدخل غرفة هنية ويبقى في البهو كل الأطفال سعد وإخوته وفؤاد وإخوته وحبيب وعزيز وأبناء إيفون وأبناء صباح ، أما صباح فهي تقرأ القرآن وتدعو لها, وإيفون تصلي من أجلها .
نسمع صوت صراخ الطفل فيهلل الأطفال ويفرحون ، وبعد قليل تخرج أم إبراهيم لتهنئهم  .
أم إبراهيم: مبروك جاءكم طفل جميل.
( نسمع صوت دقات طبول فيجري الجميع إلى المشربية يستمعون، ثم صوت المنادي فينصت الجميع )
ص. المنادي: يا أهالي القاهرة، البشرى لنا ولكم، انتصر السلطان قطز على جيش المغول.
( يكرر المنادي النداء فيهلل الأطفال والناس وتعلو أصوات الناس بالتكبير وزغاريد النساء تنطلق )
* * *
فهيم يرتدي زي المحاربين يمسك طفله الصغير بحب وحنان وبجانبه تجلس هنية وهي في غاية السعادة .
فهيم: سأسميه منتصراً.
( يضحك الجميع ويباركون لفهيم, ويغني الأطفال أغنية للنصر ولمنتصر الصغير )
تمت بحمد الله تعالى

* * *
تمت بحمد الله تعالى
كل ماورد عن المغول من مجلة الثقافة العالمية دورية تصدر كل شهرين
العدد :38
بتاريخ :7- 1997
المجلس الوطني للثقافة والفنون بدولة الكويت
بقلم :ليوجارت
ترجمة :د. شهرت العالم
* * *
الأحداث التاريخية لهذه الفترة من كتاب النجوم الزاهرة لملوك مصر والقاهرة ( الجزء السابع )
تأليف : جمال الدين أبي المحاسن يوسف الأتابكي