الأربعاء، 25 مارس 2015

حكاية مصرية --- الجزء الخامس





ملخص ما نشر:
استطاع المغول حرق المصنع, ومات في الحريق أبو سعد, وقام فهيم وزوجته هنية بضم الأطفال على الفور, ثم أذيع نبأ مقتل أمير المؤمنين بالعراق, هذا يعني أن المغول اجتاحوا العراق وأوشكوا على دخول الشام ثم مصر .
* * *
في دكان العطارة يجلس سليم مع فهيم يتحدثان.
سليم: لقد حدث حريق في قريتي بالصعيد كاد أن يذهب بالمحصول كله لولا أن أهل البلد تصدوا له واقتحموا النار وأنقذوا المحصول .
فهيم: وحريق المصنع هنا كان غريباً.
سليم: لقد نصحت أهل بلدتي وحذرتهم من تخزين قش الأرز فوق أسطح المنازل.
فهيم: وهل كان المحصول بالمنازل؟
سليم: لا بل  في مخزن للغلال,  ولكن من المؤكد أنه كانت هناك أشياء قابلة للاشتعال,  فالحرائق تندلع من أقل شرارة يمكن أن تنقلها الريح .
فهيم: المصنع هنا كان ممتلئ بالقش.
سليم: هذه هي المشكلة.
فهيم: ولكن الأشياء القابلة للاشتعال موجودة بكل مكان, ونستعملها دائما.
سليم: أسأل الله أن يسترنا, ويبعد عنا كل شر.
( يأتي عزيز ليخبر فهيماً  بوصول أخيه )
عزيز: تعالَ بسرعة لقد أتى أخوك توا, عمي عوض وأسرته عندكم بالبيت.
فهيم: عوض أخي ! إنها مفاجأة سارة.
* * *
فهيم يدخل بيته ويعانق أخاه عوض ويندفع الأطفال إلى عمهم يقبلونه ويسلمون عليه.
هنية: لقد جاءوا لزيارتنا بعد أن نجاهم الله من حريق كبير كاد أن يأكل المحصول.
فهيم: صحيح هذا الكلام يا عوض؟
عوض: نعم ونحمد الله أن نجانا وأنقذ معظم المحصول.
فهيم: عجبا, الحرائق وحوادث التسمم, ما الذي يحدث لنا.
عوض: ما بك؟
فهيم: أتساءل, لماذا كثرت حالات الحريق والتسمم هذه الأيام؟ وهل لها علاقة ببعضها؟.
* * *
في السطح تجلس صباح وإيفون تنظفان الخضروات,  فإذا بهنية تدخل لتنضم إليهما ومعها خضرواتها.
إيفون: ها هي هنية وصلت, لقد تأخرت اليوم.
هنية: الطفلة الصغيرة سهرتني بالأمس, فهي دائمة البكاء ليلاً.
صباح: أعطيها قبل النوم مغلي النعناع مع الكمون.
هنية: لقد نصحتني بذلك زوجة عوض, وقد تحسنت الطفلة بعد تناولها هذا الشراب فمنذ أن سافر عوض وعياله من أسبوع كنت أصنع لها هذا المشروب فتهدأ وتنام ولا تقوم في الليل, ولما نسيت أيقظنا المغص.
إيفون: لا تنسي فالصغار دائما يحتاجون هذه المشروبات حتى يناموا ويرتاحوا.
* * *
هنية تحضر القلة الموضوعة في المشربية، فتجد فهيماً يغلق الدكان وبجواره علي وبطرس يربتان على كتفه ثم يصحب رجلاً آخر وينصرف مبتعدا عن الحارة.
هنية: خيراً, ما لذي جعل فهيم يغلق الدكان؟ ولم لم يتركه لسالم؟ وإلى أين ذهب؟
سعد: لا تشغلي بالك, سأذهب لأستطلع الأمر.
هنية: اللهم اجعله خيراً.
* * *
إيفون في بيتها تتحدث مع زوجها بطرس.
إيفون: ماذا تقول يا بطرس, مات عوض أخو فهيم !! لقد كان هنا منذ أسبوع.
بطرس: هذا ما حدث, فقد تسمم هو وزوجته بشراب به سم ولكن الله لطف بباقي المدعوين في الفرح وانسكب الشراب قدراً.
إيفون: أنا لا أفهم شيئاً!, هو وزوجته ماتا!!, مساكين هؤلاء الأطفال.
بطرس: بل المسكين هو فهيم, فصدمة موت أخيه الشاب وزوجته ليست بالهينة, ومسؤولية أولاد أخيه ليست سهلة.
إيفون: لست أفهم ما هو السر في موضوع الحرائق وحالات التسمم التي لا نجد لها سبباً واحداً!!!.
* * *
في بيت فهيم (فؤاد) أكبر أبناء أخيه يبكي, وهنية تربت على كتفه, وتنساب دموعها هي الأخرى , وفهيم جالس على الكنبة مذهولاً يقف بجواره عزيز وحبيب وسعد,  ينظرون إليه بشفقة ولا يملكون له شيئا, تلعب ابنة أخيه عند قدميه,  فهي صغيرة جداً لا تعي الأحداث, ثم تجلس في حجر عمها فيضمها فهيم ويبكي, يربت الأطفال على كتف فهيم وتدمع عيونهم جميعا, أما هنية فتقوم لتدبر شئون الصغار جميعا و لتهرب بدموعها بعيداً.
* * *
على السطح وقت الغروب يجلس فهيم ومعه بطرس وعلي وعبدالتواب الذي نعى الخليفة وهاهما علي وبطرس يحدثون فهيماً.
بطرس: كما قلت لك ينبغي أن تتماسك حتى لا ينهار الأطفال.
علي: لا تترك نفسك للحزن هكذا يا فهيم, إنها إرادة الله ومشيئته.
بطرس: هيا يا علي نغلق الدكاكين لنجلس معه.
( ينصرف الصديقان ويبقى عبدالتواب الذي لا يقل حزنا عن فهيم, يركن فهيم رأسه إلى الحائط بجوار عبد التواب الذي يركن رأسه أيضا للحائط ويتكلم كل منهم عن أحزانه وكأن كل منهما لا يسمع ما يقوله الآخر)
فهيم: كان عوض هو كل أهلي.
عبد التواب: كل أصدقائي في بغداد ماتوا, لم يبق منهم أحد, لم يبق أحد.
فهيم: مات مسموما بعد أن نجاه الله من الحريق.
عبد التواب: خدعوا أمير المؤمنين, رأيت الخدعة بنفسي, رأيتها بعيني.
فهيم: مساكين الأطفال لم يبق لهم أحد في الدنيا, وأنا أيضا لم يعد لي سواهم.
عبد التواب: لقد خانه الوزير ابن العلقمي, خانه ابن العلقمي.
فهيم: هل سيتعود الصغار على هنية؟.
عبد التواب: اخترع له قصة زواج وهمية وساقه إلى الموت وتركه,  لعنة الله عليك يا ابن العلقمي.
فهيم: كيف يُدَس السم في طعامنا جميعا دون أن ندري؟
* * *
علي وبطرس يصطحبون فهيماً إلى باب الدكان وخلفهم يمشي عبدالتواب, يفتح بطرس وعلي باب الدكان ثم يصطحبون فهيماً للداخل ويجلسونه ثم يتحدثون معه.
علي: لقد عز علينا جميعا فراق عوض أخيك, ولكن ينبغي أن تنسى أحزانك لترعى شئون صغارك.
بطرس: سعد وإخوته الذين تبنيتهم وأولاد أخيك, إنهم أحد عشر صغيرا يحتاجون لأب يحميهم
علي: نعم, أنا أوافق على كل الذي قاله بطرس وأكرر, ينبغي أن تهتم بصغارك.
عبد التواب: نعم ينبغي أن نفيق من أحزاننا ونفتح عيوننا وعقولنا لنراهم.
علي: من تقصد؟
عبد التواب: الذين يتربصون بنا, الذين يريدون هلاكنا, إما أن نحيا بكرامتنا  وندفع الشر عن أولادنا وديارنا وأراضينا, وإما أن نموت بكرامتنا.
بطرس: مالك يا عبد التواب لا ترى من الدنيا إلا المغول والسياسة؟
عبد التواب: نعم, أرى هولاكو في كل مكان هنا وهناك, وإما أن يفعل بنا كما فعل بإخواني في العراق وإما أن نتصدى له.
علي: لا تبالغ  كثيراً.
عبد التواب: لا تستهن بالأحداث كما فعل الذين من قبلك, اليوم سأقابلكم في السطح, لقد قررت أن أترك الحزن لا بد أن أخبركم بكل ما أعلم لنرى ما يمكننا عمله.
علي: على الرحب والسعة.
* * *
في الليل كان فهيم وبطرس وعلي وعبد التواب مجتمعين,  وكان عزيز وحبيب وسعد وفؤاد يجلسون بالقرب من عمهم فهيم الذي تعلقوا به كثيراً.
عبد التواب: لقد جئت اليوم أحذركم من شر قد اقترب, واعلموا أن المغول ليسوا بالجيش القوي فقط بل هم أهل مكر ودهاء, واعلموا أننا مستهدفون إن لم يكن الآن فبعد قليل.
علي: هل تظن أنهم قادمون؟
عبد التواب: بل أنا متأكد من ذلك,  ويجب أن تعلموا أن مكرهم ودسائسهم تسبقهم دائما.
بطرس: كيف؟
عبد التواب: سأحكي لكم ما أعرفه, ويمكنكم أن تقيسوا عليه.
فهيم: هات ما عندك.
عبد التواب: حينما كنت في بغداد سمعت أن هولاكو سيزوج ابنته من ابن الخليفة أمير المؤمنين وأن الوزير ابن العلقمي أشار على أمير المؤمنين بأن يقبل لأن في ذلك حقن لدماء المؤمنين.
علي: وهل رفض؟.
عبد التواب: على العكس, لقد وافق ورحب وخرج لاستقبال هولاكو, أما أنا فقد كنت فضولياً فذهبت إلى المكان الذي اتفقا أن يتقابلا فيه واختبأت لأرى هل سيتم الزواج فعلاً كما يقول الناس أم أنها خدعة كما كنت أتوقع؟.
بطرس: وماذا رأيت؟.
عبد التواب: يا ليتني ما رأيت شيئا,  كان المكان بالخلاء حيث نُصِبَتْ خيمة كبيرة فخمة واختبأت أنا بالقرب من المكان خلف صخرة كبيرة ولما حضر الخليفة وحواشيه وجمع من الأعيان وأقاربه وطبعا كان ابنه في المقدمة.
فهيم: وماذا حدث؟.
عبد التواب: لما وصلوا لم يجدوا هولاكو ولكنهم ساقوهم إلى تلك الخيمة لينتظروه أما الوزير فتركهم وانصرف ثم قُتِلُوا جميعا بعد أن غادر الوزير.
بطرس: ولماذا انصرف الوزير أولاً, ثم قُتِلُوا بهذه الطريقة البشعة؟
عبد التواب: كل شيء يدل على أن الوزير كان يعمل مع هولاكو في الخفاء.
علي: يا له من خائن, لقد باع بلده وأهله.
عبد التواب: أنا متتبع أخباره, لقد أبقى هولاكو على حياته ولكنه ذاق من المغول الذل والهوان ولم تطل أيامه, مات من الحسرة والندم.
فهيم: إنه غبي و مثال لكل خائن.
بطرس: وهذا يدل على ذكاء هولاكو فمن يبيع أهله فهو خائن ليس له أمان.
عبد التواب: ولكن ما حدث في بغداد لم يحدث فجأة, فقد كان يتعاون مع ابن العلقمي كما ثبت لنا ومن المؤكد كان له عيون هناك, ومن الضروري أن يكون له عيون هنا وفي الشام.
بطرس: هذا كلام سليم, حقا ما تقول.
عبد التواب: لقد بلغني أمس أن مخزن غلال في المنوفية قد احترق ولم يستطع الناس أن ينقذوا منه إلا قليلاً,  مما سيؤثر على سعر أقوات المصريين, والحريق الذي أخمده عوض أخيك رحمه الله, وحريق الصعيد وحريق مصنع الزجاج, وحالات التسمم كل هذا يثير الشكوك في نفسي.
(ينظر الأطفال الأربعة بعضهم إلى بعض ثم يرحلون من المكان )
* * *
تجلس هنية تطوي الملابس وترتبها للصغار ثم تقوم لتضعها في مكانها فتشعر بدوار, فتجلس من شدة الدوار ثم تعاود المحاولة لتقع مغشيا عليها فتنزعج سعاد.
سعاد: أمي هنية, ردي علي..!!!!.
( تتركها سعاد وتجري تنادي على جاراتها)
سعاد: خالتي صباح, خالتي إيفون.
( يلتف الأطفال حول هنية يحاولون إفاقتها )
* * *
أم إبراهيم الداية وصباح وإيفون في غرفة نوم هنية يطمئن عليها أما هنية فممدة على السرير ويبدو عليها الإعياء.
أم إبراهيم: كما قلت لك هذه أعراض حمل.
هنية: هل أنت متأكدة يا خالة أم إبراهيم.
أم إبراهيم: طبعا متأكدة.
إيفون: لو لم تكن الظروف سيئة  لأطلقت زغرودة.
هنية: إياك أن تفعلي, فيكفينا ما نحن فيه من حزن.
صباح: لعل الله أراد لكم أن تخرجوا من الحزن يا هنية, جعله الله قدم الخير والسعد علينا جميعا.
* * *
الأصدقاء الأربعة حبيب وعزيز وسعد وفؤاد يجتمعون في بيت بطرس وحدهم.
فؤاد: هل سمعتم ما قاله عمي عبد التواب؟ هل تفكرون فيما أفكر فيه؟
سعد: نعم هذا يعني أن المغول يعبثون هنا, وأنهم سبب حريق المصنع والمخزن.
حبيب: ولا تنس التسمم الذي كدنا نصاب به والتسمم الذي أودى بحياة عمي عوض وزوجته رحمهما الله.
عزيز: هذا يعني أنهم حولنا ومندسون بيننا.
فؤاد: لذلك يجب أن نفتح عيوننا وعقولنا لكل كبيرة وصغيرة.
* * *
يدخل فهيم بهو البيت فيستقبله الصغار الذين يبشرونه بحمل زوجته.
الأطفال: أمي هنية حامل, أم إبراهيم كانت هنا.
فهيم: ماذا تقولون, الآن !!, غير معقول, هذه حكمتك يا رب.
* * *
أسدل الليل ستائره السوداء فلا نكاد نتبين أي شيء, نسمع صوت طفل صغير يبكي من الألم, صوته يبدد سكون الليل فتفتح الأنوار ونرى بهية تخرج بالطفلة الصغيرة أخت سعد لبهو البيت تحاول أن تهدئها ويخرج خلفها فهيم ثم يصحو الأطفال الواحد تلو الآخر.
بهية: البنت مصابة بمغص, سأغلي لها كمون مع نعناع.
(تعطي بهية الطفلة لفهيم ثم تدخل لتصنع مشروباً للطفلة المريضة)
بهية: خذها قليلاً إلى أن أصنع لها المشروب.
( يأخذها فهيم ويربت على كتفها وهي تبكي ويجلس بجواره سعد وفؤاد, وبعد قليل ترجع بهية من الداخل )
بهية: لقد نفد الكمون الغير مطحون والذي يصلح للغلي, هلا أحضرت لي قليلا منه من المخزن.
( يعطيها فهيم الطفلة ثم يحضر المفتاح ويفتح الباب لينزل فيتبعه سعد وفؤاد, أما هنية فهي تمسك الطفلة بحنان وتربت على كتفها والطفلة ما زالت تبكي )
* * *
 ( يفتح فهيم باب المخزن وفي يده فانوس يضيء له المكان وإلى جواره فؤاد وسعد وما أن فتح الباب حتى انطلقت قطة صغيرة داخل المخزن )
سعد: لا بأس سأخرجها من المخزن أنا وفؤاد.
( يدخل فهيم يحضر الكمون ويصعد ويترك الطفلين ليخرجا القطة ويغلقا الباب, يجري سعد خلف القطة فتجري بدورها منه, ثم تصعد فوق الأجولة المتراصة فوق بعضها والتي يصل ارتفاعها إلى شُرَّاعَة الباب الذي يسكن خلفه مبروك فيصعد فؤاد خلفها, ولكنها أفلتت منه وكانت شُرَّاعَة الباب الزجاجية مكسور منها جزء صغير, فلفت نظر فؤاد نار متأججة لمحها داخل غرفة مبروك , فنظر من الجزء المكسور فيقول سعد : هاهي القطة,  فيشير إليه فؤاد أن يصمت ثم يدعوه لينظر معه من هذا الجزء المكسور , ينظر الولدان فيجدا مبروكاً قد أشعل ناراً في إناءٍ غريب وهو في وضع سجود ثم رفع رأسه من وضع السجود ثم أخذ يتكلم بلغة غريبة ولكن الملاحظ أن طريقة كلامه كانت سليمة بلا تلعثم أو ثأثأة أو لثغ.

* * *