الأربعاء، 25 مارس 2015

حكاية مصرية -------- الحلقة الثالثة





ملخص ما نشر:
جواسيس المغول يحاولون نشر الفساد لكن مهمتهم مازالت صعبة، فترابط المصريون وتوادهم وتراحمهم أقوى من تدبيرهم.
*    *    *
(فهيم في دكانه مع صبيه أحمد يحدثه)
أحمد: لقد نفد الزعفران والزبائن يسألون عنه فمتى سنشتريه؟
فهيم: لم يصل الحاج سليم بعد, فأنا لا أشتري بضاعتي إلا منه.
أحمد: وإلى أين سافر؟
فهيم: لقد أرسل لي رسولا من العراق وقال إنه لن يتأخر.
أحمد: أتمنى أن يصل سريعاً.
فهيم: كان يجب أن يصل بالأمس ولكنه لم يأتِ, اذهب اسأل عنه يا أحمد.
( يدخل الحاج سليم الدكان ويسلم على من بالمكان )
سليم: السلام عليكم.
فهيم: وعليك السلام, غير معقول, يقولون إن ابن الحلال يظهر عند ذكره.
سليم: وها أنا قد أتيت.
( يعانقه فهيم )
فهيم: حمدا لله على سلامتك, افتقدناك كثيراً.
سليم: وأنتم أيضاً.
فهيم: وكيف بغداد وأهلها؟
سليم: بخير.
أحمد: هل أحضرت لنا الزعفران يا حاج سليم؟
سليم: الزعفران وكل ما تريد, ستصلك البضاعة بعد صلاة الظهر.
فهيم: المهم أنك حضرت فقد اشتقنا إليك, اشتقنا إلى حكاياتك, ستأتي اليوم تسهر عندي مع علي وبطرس.
سليم: على السطح كالمعتاد.
فهيم: سأنتظرك لا تتأخر.
* * *
 ( هنية تحمل سلة بها طعام ومخبوزات على رأسها وتقف أمام باب بيت سعد ومعها حبيب وعزيز, فيدق عزيز الباب فيفتح لهم طفل صغير لا يتعدى عمره أربع سنوات, تدخل هنية وتضع السلة وتجلس على كنبة قريبة من الباب , أثناء ذلك سمعت جلبة بالداخل, ثم صوت صراخ طفل, فانزعجت وقامت تسأل عن الحكاية) .
هنية: ماذا هناك؟ يا من بالدار؟
( تخرج فتاة في الثانية عشرة من عمرها, تحمل طفلة صغيرة  لم تكمل الثانية من عمرها ورجلاها محمرتان وتصرخ من الألم )
هنية: ماذا هناك؟
الفتاة: كنت أصنع الشاي وذهبت لأحضر السكر فسَحَبَتْ المفرش من على المنضدة فوقع عليها الشاي .
( تأخذ هنية الطفلة منها وتضعها في حجرها )
هنية: يا حبيبتي المسكينة, هاتها يا... ما اسمك يا حلوة؟
حبيب: أنا حبيب صديق سعد وهذه أمي هنية.
الفتاة: مرحباً بكما, وأنا سعاد.
هنية: تعالي نغسل رجلها بالماء البارد أولاً.
سعاد: تفضلي.
( بينما هما تدخلان يدخل سعد من باب البيت المفتوح )
سعد: مرحباً بكما.
حبيب: أهلاً بك.
عزيز: جئنا مع أمنا هنية  . 
( تخرج هنية وهي تحمل الطفلة الصغيرة )
هنية: اذهب يا حبيب أنت وسعد لأبيك فهيم وهات من عنده وصفة للحرق .
( تجلس هنية على الكنبة )
هنية: هات لي مشطاً  أمشطها. ( الطفلة مستسلمة لهنية.. )
* * *
يجلس فهيم وعلي وبطرس على السطح يشربون الشاي . وبينما هم كذلك يدخل عليهم سليم فيحيونه ويرحبون به.
بطرس: حمدا لله على سلامتك, افتقدناك يا رجل.
علي: هل تغيب عنا كثيرا لتعرف قدرك عندنا!.
فهيم: وهل هو لا يعرف حتى الآن؟.
بطرس: ما  أخبارك وأحوال العراق وأهله  ؟.
فهيم: متى ستسافر مرة أخرى؟.
سليم: لست أدري فالأخبار في العراق ليست طيبة ولا أدري كيف ستسير الأمور؟.
فهيم: كيف؟.
سليم: يقولون إن المغول على الأبواب؟.
فهيم: هل تركتهم يستعدون للقتال؟.
سليم: يا ليتهم كانوا يفعلون, يقولون إن الوزير ابن العلقمي أشار على المستعصم بفصل أكثر الجند عن العمل.
على: يفعل ذلك في مثل هذا الوقت, لماذا!!؟ وقد قال الله سبحانه وتعالى: { وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل } صدق الله العظيم .
فهيم: هذا قرار غير عاقل وإن صدر عن المستعصم لقلنا إنه خليا من الرأي والتدبير, أما أن يشير عليه الوزير بذلك فهو أمر عجيب !!
بطرس: ولكن كيف عرفت كل هذا؟
سليم: لي أصدقاء هناك لهم مراكز كبيرة بالقصر, ويبدوا أنه فاض بهم الكيل وراحوا يتكلمون خوفاً ويأساً.
على: كان الله في عونهم, إنه أمر يغيظ.
سليم: يبدو أنهم يطمعون في مصانعة المغول ويظنون أنهم سينالون ذلك بهذه الطريقة.
بطرس: المغول على ما نسمع عدو قوي,  وإن أغروهم بتصفية الجيش لن يتركوهم .
سليم: هذا ما يخشاه الناس.
فهيم: الحق معهم, فما الذي يدعوا هولاكو لأن يتركهم إن كان يمكن أن يأخذهم ببساطة.
سليم: أرجو أن تأتي العواقب سليمة.
فهيم:  نتمنى ذلك.
* * *
الحارة مزينة بالأعلام والفوانيس ودكان فهيم مزدحم والناس يشترون التمر والمكسرات فهيم يتكلم مع أحد الزبائن وهو يدفع له النقود.
فهيم: ومتى ستكون الرؤية بإذن الله.
الزبون: الليلة بعد آذان العشاء, تعالَ معنا إلى المسجد لتعرف متى يكون رمضان.
* * *
يدخل فهيم بيته فيجد هنية تنتظره وهي سعيدة وصوت الأطفال في الحارة يغنون أغاني رمضان.
هنية: كل عام وأنت بخير, غداً رمضان هل عرفت ذلك؟
فهيم: طبعا أنا قادم من الجامع وقد ثبتت الرؤية.
هنية: هاهم الأطفال يغنون.
فهيم: على ذكر الأطفال, ماذا ستفعلين في رمضان لسعد وإخوته؟
هنية: سنرسل لهم جميعا أول يوم رمضان, ثم نقسم العمل كل يوم واحدة منا ترسل لهم, ولقد أنظم لنا أناس كثيرة من الحارة.
فهيم: الحمد لله, هكذا اطمأنت عليهم.
هنية: الحمد لله, هل ستسهر اليوم للسحور؟
فهيم: طبعا, تعالِ نرى الأطفال من النافذة وهم يغنون.
* * *
الحارة مزينة بالأعلام والفوانيس, وقد اقترب موعد الإفطار, ونرى في الحارة موائد صغيرة (طبلية) رُصت بجوار بعضها البعض وعليها أنواع الطعام, وجلس رجال الحارة جميعا أمام الموائد بجوار بعضهم بعضاً، والصبية ينقلون الصحون من البيوت ويضعوها على الموائد.
ونلاحظ أن بطرس يجلس بين الرجال وكذلك مبروك, يؤذن الآذان فينتظر الجميع حتى ينتهي المؤذن ثم يبدءون الطعام, يمر رجلاً مسرعاً يريد أن يلحق ببيته للإفطار فيمسك به أهل الحارة.
فهيم: تعال يا أخي, أقسمت عليك أن تفطر معنا أولاً ثم تكمل مع أولادك, تفضل.
* * *
على السطح هنية وصباح وإيفون وحولهم البنات والأطفال الصغار يتناولون طعام الإفطار.
* * *
الوقت مازال مبكر والرجال خرجوا لأعمالهم توا، و صباح وهنية وإيفون ينظفن الخضروات في بيت صباح ، و باب البيت مفتوح, وبينما هن يتحدثن كان حبيب وعزيز يجريان هنا وهناك ثم يصعدان السلم وينزلان وهما يتسابقان، وبينما هما بالطابق الثالث عند شقة صباح دخل مبروك شقة إيفون التي كان بابها مفتوحاً في الدور الثاني ثم دخل المطبخ فوجد قدراً مغطى فرفع الغطاء فوجده منقوع الكركديه فأخرج من جيبه السم ووضع في القدر الذي أمامه على المنضدة ثم تلفت حوله بسرعة وأغلق الإناء, ثم خرج مسرعا, فقابله حبيب وعزيز وهما يتسابقان, فاستوقفاه يسألانه.
حبيب: ماذا تفعل هنا؟!!
مبروك: كنت أبحث عن السيدة أم جرجس.
عزيز: وماذا تريد منها؟
مبروك: أنا صائم جائع, أريد أن أعرف منها هل ستصنع كنافة لذيذة كالتي صنعتها بالأمس؟
( يضحك عزيز وحبيب على كلام مبروك )
حبيب: تريد أن تطمئن على مستقبلك الغذائي, اطمئن يا سيدي, ستأكل اليوم قطائف.
( مبروك يدعي الحزن )
مبروك: يعني هذا أنه لا كنافة اليوم يا  للخسارة.
( يضحك الطفلان ثم يكملان سباق الجري ولكن داخل شقة إيفون حتى يصلا إلى المطبخ فيحاول حبيب الإمساك بعزيز, فيجرى منه حبيب وهاهما حول المنضدة التي تتوسط المطبخ وعليها منقوع الكركديه, ثم يمسك بها عزيز وهو يفلت من حبيب ويجري فتقع المنضدة فينسكب الكركديه على الأرض فيتوقف الولدان ينظر كل منهما للآخر).
حبيب: انظر ماذا  فعلت؟
عزيز: لم أكن أقصد, لو علمت أمنا إيفون ستخاصمنا.
حبيب: علينا أن نصنع غيره في القدر وننظف المكان بسرعة قبل أن ينتبه لنا أحد.
( القدر انسكب كله ولكن  بعض أوراق الكركديه مازالت فيه,  يأخذ عزيز القدر ويضعه على المنضدة بعد أن أعادها حبيب لوضعها ثم أضاف المزيد من أوراق الكركديه ثم أضاف حبيب الماء ثم غطيا الإناء كما كان, ثم قاما بتنظيف الأرضية.
عزيز: ما رأيك؟
حبيب: كأن شيئاً لم يكن.  ( يضع كل منهما يده على الآخر ويخرجان من البيت ).
* * *
اليوم هو ثاني أيام رمضان والرجال جالسون ينتظرون الآذان على الموائد الصغيرة بالحارة, وأكواب الكركديه توزع على الحاضرين, يؤذن الأذان ويبدأ الجميع في تناول الطعام ويشربون مع طعامهم, نلاحظ وجود مبروك الذي يأكل معهم ولا يشرب.
* * *
بعد صلاة العشاء كانت هنية ببيتها تعاني من مغص شديد وزوجها فهيم يعاني من الحالة نفسها فيطرق الباب فيتحامل فهيم على نفسه ويفتح الباب فيجد بطرس وقد أصابه ما أصابهم.
بطرس: ما بك أنت الآخر؟ لقد أصبنا جميعا بمغص, والصغار يتقيئون, جئت أسألك عن دواء من عطارتك.
فهيم: أنا لست أفهم السبب لأصف لك الدواء.
( بينما هما يتحدثان جاء علي وهو يتأوه ويتألم من المغص, ثم توافد بعض الرجال من الحارة للسبب نفسه, والجميع يشكون من الشكوى نفسها  وكلهم يطلب دواءً من فهيم )
فهيم: في هذه الحالة لابد من استدعاء الطبيب.
* * *
يدخل مبروك غرفته صامتاً, يجلس على سريره يحدث نفسه: ترى ما الذي حدث؟, إن هذا السم الذي وضعته هو سم زعاف يقتل في خلال ثوانٍ, فما الذي حدث؟ ( يتأمل زجاجة السم ثم يقول لنفسه ): لقد قال لي هولاكو أن أتعامل مع هذا السم بحذر, فنقطة واحدة منه تكفي لقتل قبيلة, وأنا لم أبخل عليهم به, فماذا حدث؟؟!!
* * *
في الحارة, الرجال مجتمعون بالحارة ينتظرون الطبيب الذي صعد أحد البيوت ليكشف على أهلها.
ثم يظهر الطبيب مع رب البيت الذي فحصهم الطبيب, فيقول لهم: يكفيني ما رأيته, هذه حالات تسمم ولا بد من أخذ دواء تركيبي الآن .
علي: ومن أين جاءنا التسمم؟
بطرس: إنه شيء عجيب.
فهيم: هل تريد شيئاً من العطارة فأنا عطار ودكاني هنا بالحارة.
الطبيب: حسنا, افتح الدكان لنركب الدواء بسرعة.
( ينصرف الطبيب مع فهيم الذي يفتح له الدكان )
* * *
يجلس الجواسيس الثلاثة بغرفتهم بالخان يدرسون عملية حرق المصنع, ويضعون أمامهم خريطة للمصنع .
أبو الفضل: هاهي الخريطة, العمال يدخلون من هذا الباب, ثم يترك الجميع البوابة ويبدءون عملهم من أمام الفرن هنا, ثم لا يعودون للمنطقة التي أمام البوابة إلا بعد الظهيرة حين ينتهون من ملء الأقفاص بالمنتجات الزجاجية.
علاء: ماذا تريد أن تقول؟.
أبو الفضل: البوابة, البوابة مهملة في الصباح الباكر, فلو أننا أغلقنا البوابة من الخارج كما يفعلون ليلا وأشعلنا النار سيحترقون قبل أن ينقذهم أحد.
خليفة: لا بأس فلننفذ خطتنا من صباح غدٍ.
الجميع: اتفقنا.
* * *
في بهو بيت هنية النساء ينمن من التعب هنا وهناك ومعهن الأطفال, تفيق هنية من النوم فتوقظ النساء وتطمئن عليهم.
هنية: لقد نمنا من التعب بعد تناول الدواء.
إيفون: لقد كتب لنا الرب عمراً جديداً.
صباح: لقد زال المغص, ولكن أين الرجال؟.
( تنظر هنية من المشربية فتجد الرجال مجتمعين بالحارة يسهرون على راحتهم, وقد زال الخطر عنهم جميعا )
هنية: لقد زال الخطر والحمد لله, علينا أن نطمئن على باقي أهل الحارة وندعو الرجال للراحة بعد هذه الليلة الرهيبة.