الاثنين، 4 فبراير 2008

محاكمة سندريلا وعلاء الدين



محاكمة سندريلا وعلاء الدين



هبة طفلة صغيرة تجلس مع أختها منة في غرفتهما تتبادلان أطراف الحديث، وهما جالستان على أريكة أمام التليفزيون والذي لا تتابعان أي من أحداثه.

في الغرفة دولاب وسريران ومكتبة جميلة.

تقول هبة لأختها منة: أنا بدأت أمَلّ من الأجازة!. كل شيء يصيبني بالملل.

فترد منة: كنت ترددين كلاما قريبا من هذا أيام الدراسة, ألا تذكرين (تحاول منه أن تقلدها...).

منة: لقد مللت يا منة, كل يوم ذهاب للمدرسة وإياب ومذاكرة وحفظ, مللت .

هبة: لا أنكر أنني كنت سعيدة بالأجازة في بدايتها, ولكن...

منة: دائما تجدين لكن !, عموما الوقت تأخر وينبغي أن أنام الآن.

هبة: هل تتركينني وتنامين؟.

منة: أريد أن أصلي الفجر مع أمي, تصبحين على خير.

( تسحب منة الغطاء من على السرير وتنام بينما هبة تحدث نفسها متذمرة)

هبة: كلهم ناموا وتركوني!, ماذا عساي أن أفعل!؟.

( تقوم هبة تقلب في كتب المكتبة وتسحب كتابا, تبتسم لمرآه, مكتوب على الكتاب [ كتاب الحكايات ] وهو يجمع مجموعة كبيرة من الحكايات, جلست هبة على المكتب تقرأ في الكتاب حتى غلبها النوم، فقامت تتمدد على السرير ونامت وتركت كتابها مفتوح, وبعد قليل حدثت جلبة وأصوات تخرج من الكتاب, ثم فتاة جميلة تخرج من كتاب الحواديت يتبعها شاب وسيم يحاول أن يسترضيها ودار بينهما هذا الحوار:

الفتاة: لم أعد أحتمل يا علاء الدين، ينبغي أن أجد حلاً.

علاء الدين: لا أجد داعي لكل هذا الغضب, مالك وكلام الناس يا بدور.

الفتاة: كيف تقول هذا والمرء يعيش بسمعته في هذه الدنيا, وأنت تسمع كل ما يقال عنك ولا تحاول الدفاع عن نفسك.

علاء الدين: أنا واثق من نفسي فلم أقلق من كل ما يقال.

الفتاة: إن لم تبالي بسمعتك, أهتم بسمعتي, أنا الأميرة بدر البدور يقولون أني تزوجت ساحر مشعوذ أتى بيت الأميرة من المصباح وغداً إن خاصمها يأمر الجني فيسجنها!.

علاء الدين: أنت تعلمين جيداً أنه لا شيء من هذا حدث, لا يوجد مصباح ولا جني.

بدور: ينبغي أن يعرف الناس جميعاً ما أعرف, لقد فكرت طويلاً ووجدت حلاً واحداً.

علاء الدين: ما هو؟.

بدور: سأشكوك للقاضي ، وعليك تبرئة نفسك مما نسب إليك.

علاء الدين: تعقلي يا بدور, لا داعي لهذه الفضائح.

بدور: أنا لست مجنونة.

علاء الدين: وإن لم أستطع تبرئة نفسي.

بدور: لا تكون جدير بي .

(تنطلق بدور مسرعة بينما يتبعها علاء الدين، يناديها فلا تستجيب, تقفز بدور من على الكتاب ثم تدخل إحدى صفحات الكتاب من الجهة اليسرى بينما يتبعها علاء الدين, لحظة صمت تخيم على المكان ثم تظهر فتاتان من الكتاب من الجهة اليمنى, إحداهما بدينة جداً والأخرى نحيفة جداً.

البدينة: هل سمعت ما سمعته يا أختي؟.

النحيفة: نعم يا أختي سمعت, إن هذا الذي حدث يوحي لي بفكرة!.

البدينة: ما هي؟.

النحيفة: لماذا لا نتقدم بشكوى للقاضي؟.

البدينة: من يتقدم؟.

النحيفة: أنا وأنت.

البدينة: ضد من؟.

النحيفة: أختنا سندريلا.

البدينة: لماذا؟.

النحيفة: نقول أنها ساحرة , مشعوذة , كسولة, تحب التواكل, إعتمدت على جنية الحواديت في حل كل مشاكلها.

البدينة: أخفضي صوتك حتى لا تسمعك.

النحيفة: هي غارقة في السعادة مع زوجها الأمير, ولن نتركها هكذا للأبد, ماذا قلت؟, هل توافقين؟

البدينة: أوافق .

النحيفة: هيا بنا.

( تنطلق الأختان للمحكمة تجريان على صفحة الكتاب المفتوحة ثم تقفزان من الكتاب وتدخلان إحدى صفحات الكتاب من الجهة اليسرى , وبعد قليل تنقلب الصفحة ونسمع صوت الحاجب يقول... )

الحاجب: محكمة.

(نرى صورة المحكمة , تقترب الصورة وتركز على باب المحكمة, ندخل من الباب لقاعة المحكمة, نجد سندريلا وعلاء الدين في قفص الاتهام والقاضي يقرأ الأوراق أمامه، بينما القاعة ملئت بالحضور وكلهم من أبطال الحواديت المشهورة, الأميرة والأقزام السبعة , وأميرة الثلوج وأميرها , الطفل الفرنسي ريمي, ميكي, ميمي, أبطال والت ديزني وطبعا بدور و أختا سندريلا, يعلو صوت الهمهمات فيطرق القاضي على المنضدة فيسكت الجميع, ويتكلم القاضي... )

القاضي: القضية الأولى, المتهمة سندريلا.

(تمسك سندريلا بقضبان القفص وتنتبه لما يقوله القاضي )

القاضي: سندريلا متهمة بالسلبية, والكسل, وإهمالها الشديد لمشاكلها, لم تحاول أي محاولة لحل مشكلاتها, بل انتظرت من يحل مشاكلها, وتصادف أن نزلت عليها جنية الحواديت ومكنتها من الزواج بالأمير بواسطة السحر بينما هي لا تستحق ذلك, ألا تعرفين أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم, ما قولك يا سندريلا؟.

سندريلا: يا سيادة القاضي, أنا بريئة من كل ما نسب إلي, لم تكن هناك جنية للحواديت, بل أنا التي كافحت وصبرت وعملت دون ملل أو كلل حتى وصلت لما وصلت إليه.

القاضي: ولكن القصة المكتوبة, والمدعين, وكل من قرؤا القصة.

سندريلا: إنها شائعات لا ذنب لي فيها, ولدي شهود على أقوالي.

القاضي: نسمع أقوالك أولاً, ثم نسمع الشهود.

( تبدأ سندريلا في سرد قصتها الحقيقية... )

سندريلا: كنت طفلة سعيدة أعيش بين أبوي, حتى ماتت أمي وأنا في الثالثة, وبعد فترة قليلة تزوج أبي من زوجته التي حكت عنها الحواديت , وقد كانت تعاملني معاملة حسنة في حياة أبي وأنجبت منه أختاي , ومات هو أيضا وتركنا, فاحتضنت أختاي, كنت أحبهما وأعاملهما بلطف, فإنهما أختاي وهما يتيمتان مثلي.

ولكن زوجة أبي سامحها الله ظلت تمارس ضغوطها عليّ وتلقي علي بمسؤولية البيت وحدي, وعلمت أختاي الحقد والكراهية, صبرت على مشاكلي ولم أشكو, وتحملت مسؤولية البيت كله وحدي, وعلى أي حال البيت بيتي, وزوجة أبي مثل أمي مهما فعلت .

ولما كبرنا حرمتني من استكمال تعليمي, وكنت متفوقة, وآثرت تعليم ابنتاها فقط, ولما فشلتا في الدراسة أتت لهما بمعلمة للخياطة , فحاولت أن أتعلم مثلهما فرفضت , والعجيب أنهما كانتا تتهربان من دروس الخياطة, وتلقيان بالإبر والخيوط والقماش في سلات القمامة , حتى لا تؤديا واجباتهما , حتى ملتهما المعلمة وتركتهما.

وبدأت أتساءل, إلى متى أظل هكذا بدون تعليم!؟.

وفي يوم من الأيام ذهبت مبكرة لأجمع الحطب, وفي طريق العودة مررت على بيت الطبيب العجوز وزوجته, وهممت أن القي تحية الصباح على زوجته كما أفعل كل صباح فلم أجدها تفتح شباك مطبخها ككل يوم, وكل يوم كنت أراها تعمل بجد ونشاط لكني لم أشك في الأمر قلت لنفسي لعلها نائمة.

في اليوم التالي لم أجدها أيضاً, فتركت الحطب جانباً وطرقت الباب, ففتح لي الطبيب وقال أن زوجته مريضة, واستأذنت في عيادتها فأذن لي, وقد سرت زوجته لما عدتها فلاحظت أن المدفئة بدأ يخفت نارها فأسرعت وأتيت لها بالحطب.

وبينما أنا أضعه في المدفأة سقطت من على المدفأة ورقة مكتوب عليها (الغذاء الصحي للإنسان), فأكملت عملي، ثم استأذنتها أن أقرأ الورقة فأذنت لي، وبدأت أسأل الطبيب فيما تعذر عليّ فهمه، فشرح لي وهو سعيد وأعطاني كتابا لأقرأه, فأخفيته في طيات ملابسي، وذهبت به وأنا سعيدة.

وأنهيت عملي بسرعة وجلست في البدروم وحدي أقرأ الكتاب بنَهَم, وأكتب في ورقة ما تعذر عليّ فهمه.

وفي اليوم التالي ذهبت لجمع الحطب مبكرة، ثم مررت بزوجة الطبيب, ووضعت لها الحطب وأرجعت الكتاب للطبيب ومعه الورقة التي كتبت فيها ملحوظاتي , واندهش الطبيب لما علم أنني أنهيت الكتاب بسرعة, وأعجبته ملحوظاتي, واهتم بأسئلتي وجاوبني عليها، وبدأ يشجعني على تعلم المزيد.

وكان يعطيني الكتاب تلو الكتاب, وكل هذا شجعني على المزيد.

فذهبت لمعلمة الخياطة -وكانت جارتنا- وعرضت عليها أن أمدها بالحطب كل يوم على أن تعلمني الخياطة, و كنت قد جمعت ما ألقته أختاي في القمامة من قماش وخيوط وإبر, فاستعنت بهذه الأشياء وتعلمت الخياطة, وكان هذا الأمر سراً لا يعلمه احد.

(ننتقل بين الحضور فنجد أختا سندريلا وقد فغرتا فاهيهما متعجبتان!)

تحدث همهمة في القاعة فيعود القاضي ليطرق على المنضدة فيسكت الجميع.

سندريلا: نعم يا سيادة القاضي , لقد تعلمت من الطبيب ومن معلمة الحياكة, وقد مدني الطبيب بكتب في الفلك والعلوم المختلفة، وقد كانت زوجته تراجع معي ما درسته بعد أن تعافت, وقد أتقنت فن الحياكة والتطريز.

وكنت أعمل دائما في البدروم , إما في الصباح الباكر أو ليلاً على ضوء المصباح.

وفكرت أن أعد ثوباً جديداً للعيد, فقمت بتطريز بعض الأشياء لمعلمتي بالأجر، واستطعت أن أشتري قماشاً فاخراً لصنع الثوب، وقد ساعدتني معلمتي في شرائه, وكل هذا وأنا أؤدي كل واجباتي المنزلية, وبدأت في إعداد الثوب, كنت أعمل بين الحين والحين, وذلك أثناء الطهو, أو بعد انتهاء العمل, أو في الصباح الباكر .

وكانت أختاي في ذلك الوقت تملآن الدنيا شائعات بين الجيران, وكان الكلام يصل لمسامعي, يقولون سندريلا تكرهنا, سندريلا تترك كل عمل البيت لنا وتلعب وتلهو طول النهار, ولكني لم أعلق, تظاهرت بعدم فهم الأمور واهتممت بعملي.

وأثناء ذلك فوجئنا بدعوة الأمير لكل فتيات القرية, فضاعفت مجهودي, كنت أسهر طول الليل أطرز ثوبي , ولما كانت أختاي تجدان عينيّ محمرتين؛ كانتا تهمسان لبعضهما أن سندريلا كانت تبكي, وكان هذا يسعدهما كثيراً !!.

وقررت أن أصنع نعلاً جديداً له كعب عالي, ولكن لماذا يكون من الجلد؟. فكرت أصنعه عند الحذاء من القماش المطرز, فقام الرجل بقص القماش وقمت أنا بتطريزه ثم صنعه لي, ويوم الحفل لم أطلب من زوجة أبي وأختاي كما جاء في القصة أن أذهب للأمير, فقد كُنَّ يعلمن أني لا أملك ثوباً مناسباً, ولما تغيبت في أول النهار حيث كنت أصنع وصفات قرأتها في كتاب الطبيب لتنعيم البشرة, ولما تغيبت عنهم في البدروم لم يسأل عني أحد وظنوا أني مقهورة حزينة؛ فطاب لهم هذا الخاطر وانصرفن يهيئن أنفسهن لحفلة الأمير .

وذهبن جميعا مبكرات, ثم ذهبت لمعلمتي وجارتنا -ولم يكن لديها أولاد، وكانت تحبني كثيرا- فطلبت منها أن تسمح لي بالذهاب بعربتها, فطلبت ذلك من زوجها ووافق على الفور.

فذهبت لبيتي وارتديت ملابسي وصففت شعري ، وذهبت لبيت جارتي؛ فأقرضتني عقداً وقرطاً، ثم ركبت العربة وانطلقت إلى الحفلة, وقد أوصتني معلمتي أن أعود قبل الثانية عشر مساء, وكنت وعدتها بذلك, فلما قابلني الأمير أعجب بي, وكانت الفتيات الجميلات تملآن المكان وكان يتكلم معهن, ثم بدأ بالحديث معي لما كنت انظر للسماء فبدأ حديثه معي عن السماء والكواكب ثم انتقل لموضوع آخر ووجدني ملمة بمواضيع شتى, فأعجبه كل ما قلت, وأخذنا الحديث ونحن نتنقل بين المدعوين والمدعوات, وكأنني لا أرى سوا ه, وكأنه لا يرى سواي, حتى سمعت صوت الساعة يدق الثانية عشر, فتذكرت وعدي لمعلمتي , فاستأذنت من الأمير على عجل وانصرفت , سألني عن اسمي وأنا أجري؛ قلت له (سندريلا), ولم يعرف عني شيئا آخر غير سندريلا.

ثم ركبت العربة وأنا متعجلة فوقعت فردة الحذاء أثناء صعودي, ولما انطلق السائق مسرعا بالعربة حاولت إيقافه لكني فوجئت بالأمير يأخذ الحذاء , وباقي القصة أنتم تعلموها, وإن أردتَ فاسأل المعلمة والطبيب وزوجته والحذاء!.

( تحدث همهمة وجلبة في القاعة فيعود القاضي ليطرق على المنضدة فيسكت الجميع )

القاضي: سنسأل الشهود, فليتفضل الشهود.

( تقف المعلمة بين الحاضرين )

المعلمة: نعم يا سيادة القاضي.

القاضي: هل ما قالته سندريلا صدق أم كذب.

المعلمة: أشهد أن كل ما قالته الصدق.

( يقف الأمير )

الأمير: اسمح لي بالكلام يا سيادة القاضي.

القاضي: تفضل.

الأمير: لقد قالت سندريلا الحق, فما أعجبت بها لجمالها أو لجمال ثوبها, فإن الجمال وحده لن يربي أولادي!, ومن غير المعقول أن اعتمد على الجمال وحده في هذه المسألة الخطيرة!!, فالجميلات كثيرات, وإن كان أبي يعدني للإمارة, فمن يتحمل المسؤولية معي, مجرد تمثال جميل!!!, لا يا سيدي القاضي, إن هذه الشائعات تضر بسمعتي أنا أيضاً, فأنا لست بهذه التفاهة.

( يقوم الطبيب )

الطبيب: اسمح لي يا سيادة القاضي, أنا أشهد بأن سندريلا صادقة في كل ما قالت, لقد أقرضتها الكتب وتابعت تعلمها وأجبتها عن كل استفساراتها, وزوجتي تشهد بذلك.

الزوجة: نعم يا سيادة القاضي أنا أشهد بذلك.

القاضي: يكفينا شهود, قررنا أن سندريلا بريئة مما نسب إليها, وعلى الأختين دفع النفقات القضائية مع تغريمهما غرامة الإدعاء الكاذب.

( هلل الحاضرون فرحاً بسندريلا )

* * *

بعد انتهاء محاكمة سندريلا وظهور برائتها يغلق القاضي أوراق قضيتها ثم يدق على المنضدة فيعود الهدوء للمكان , ثم يقول
القاضي : والآن محاكمة علاء الدين .

( ينظر القاضي في أوراقه ثم ينظر لعلاء الدين ويقول...)

القاضي : علاء الدين أنت متهم بعدة تهم , تقول زوجتك الأميرة بدر البدور أن الكل يحكي حكايتك ويعرف أنك إتبعت ذلك الساحر وأنت تعلم أن السحر رذيلة وتعلم أنه محرم في جميع الأديان , وأن لديك ذلك المصباح السحري وأنك أستعملته وأتيت به للأميرة بالقصر والهدايا , وأن هذا غش وخداع , والأميرة كما تقول ,

( يرجع القاضي لأوراقه ثم يقول... )

القاضي : الأميرة لا تأمن شرك , فأنت تعطيها الهدايا وأنت راضٍ عنها الآن , ولكن إن غضبت من يضمن لها أنك لن تستعمل السحر والشعوذة لتضرها أو تأذيها , ثم أنك كسول سلبي , ليس لك شخصية , فأنت يتيم ولكنك إعتمدت على أمك ولم تحاول ان تخرج من أزمتك المادية لم تحاول العمل وهذا يمكن أن يؤثر على مستقبلها معك , فبدلا من أن تعينها على الصعاب ستعتمد عليها في حل مشكلاتك كما فعلت مع أمك وربما تنتظر النجدة من السماء كما جاءت لك عن طريق ذلك المشعوذ , علاء الدين , الأميرة تطلب منا أن تنفصل عنك لكل ما تقدم , فلو ثبتت التهمة عليك سنمتثل لأمرها .

علاء الدين : يا سيادة القاضي أنا مظلوم, لم يحدث حرفا مما تقول , هذه شائعات أطلقها علي الوزير جعفر ليزكي ولده , ولكن ماتت الحقيقة وانطلقت الإشاعات , فماذنبي أنا , ماذنبي .

القاضي : هل لديك شهود ؟.

علاء الدين : شهود كثيرون .

القاضي : فما هي الحكاية إذا ؟.

علاء الدين: حكاية طويلة , تبدأ بيتمي, ولم أكن سلبيا كما قلتم بل كنت أعمل منذ طفولتي, وكنت أعمل عند سيدي أبو الحسن, تاجر الأقمشة , وكان يسمح لي في البداية بالذهاب للكتاب لأكمل تعليمي, ثم بعد أن شببت رفضت أن يكون عملي عنده قليل وآخذ عليه أجر وكأنه صدقة , فكنت أعمل معه طوال النهار ثم أقرأ في الليل وأراجع المعلم فيما يتعذر علي فهمه, وكان السيد أبو الحسن يثق في كما يثق الأب في إبنه, ولما كبر في السن كان يدعني أشرف على تجارته من وإلى الشام , واستمر الحال على ذلك لعدة سنوات , وفي إحدى المرات كنت أسافر بالبضاعة مع مجموعة من العمال أثق بهم , وتحركت القافلة حتى تعبت الجمال وأرحناها , وكنت لا أزال على حصاني وقد عطشت عطشاً شديداً فأخذت قربتي الصغيرة ورفعتها إلى فمي لأشرب فلمحت غزالا يجري , فخطرت على بالي فكرة , لماذا لا أصطاد الغزال وأفاجئ اصدقائي به فنشويه ونأكله ونمرح فما زال الليل طويل , ولم أفكر طويلا أنطلقت خلفه , فسألني حسين أين تذهب , قلت له سأعود بعد قليل , وانطلقت خلف الغزال وكان سريعا وكنت أنا مصرا على إصطياده فصعدت تلة وهبطت منها وانا أطارد الغزال فإذا بي أجد رجلا مسنا ملقى على الأرض وبجواره جملين يحملان حملاً ثقيلاً , والرجل في حالة سيئة , فأسرعت إليه وعندما شعر بي طلب ماء, فسقيته, فحمد الله وقال لي بصعوبة أنه نذر أن يعطي جملاه وما يحملان لمن يعطيه شربة الماء, فشكرته ودعوت له بالبركة في ماله ورفضت عطيته بلطف, فقال لي اسمع يا ولدي ولا تقاطعني, إن هذان الجملان محملان بكنز عظيم , فأنا عالم كيميائي, وقد توصلت لطريقة تحول بعض المعادن لذهب , ولكن خلفي رجل شرير , يبحث عني يريد كنزي وسر مهنتي , وما كنت أعطي لهذا الشرير سر مهنتي , فقمت بحرق كل الأوراق التي كتبت فيها أسرار عملي وهربت بهذين الجملين , لقد أوشكت على الموت ولما شعرت بدنو أجلي دعوت الله أن يرسل لي رجلا يحب الخير فينفق المال في الخير ولا يستعمله في الشر , ولما أتيت شعرت ان الله استجاب لي , ياولدي , هذا المال قوة لا تدعها في يد الشر , خذها بارك الله لك ولا تذكر حكايتي لأحد من الناس , فلو وصلت هذه الأنباء لذلك الشــرير سيفتك بك .

القاضي : أكمل يا علاء الدين , وماذا حدث بعد ؟.

علاء الدين : تلاحقت أنفاس الرجل فحاولت إسعافه ولكن , للأسف مات , أخذت أتلفت وأتساءل ماذا أفعل ؟ وكيف أتصرف ويبقى الأمر سراً , نظرت حولي فوجدت مغارة على مقربة منا فأخذت الجملين وأخفيتهما في المغارة ثم ذهبت للقافلة وناديت الرجال ليتأكدوا ان كان الرجل مات أو يحتاج اسعافاً , ولما تأكدوا من موته , قاموا بدفنه , وبعد هذا كان ينبغي أن أعود بالجمال , فرجعت لأصدقائي وقلت لهم , سأضطر للعودة فسألوني عن السبب , قلت أنني وجدت معي المال وينبغي أن أعود بالمال لأمي , فهتف حسين معاتبا هل نسيت أن تعطي لأمك مالاً , ياللورطة , هل أرسله مع أحد العمال , فقلت له: لا , سأذهب بنفسي وسأقابلكم في دمشق , ولم أترك له فرصة للكلام حتى لا أقع في الكذب , فأنا لا أحب أن أكذب , فلما قلت له وجدت معي المال كنت أقصد الجملان وينبغي أن أعود بالمال لأمي كان المقصود الجملين أيضاً ولكن أنا أعرف كيف سيفهم حسين الكلام .

وانصرفت سريعا وسحبت الجملين وكان حملهما ثقيل , وسرت بهما حتى وصلت قريتي , ولما دخلت داري رأتني أم جميل جارتنا ولحقت بي وأمطرتني بوابل من الأسئلة التي تملصت منها فزادها ذلك فضولاً على فضولها , وهي مازالت تسأل لماذا عدت مبكراً يا ولدي , وما هذان الجملان , وماذا يحملان , وهل هي بضاعة أبو الحسن , ولماذا وأين ومتى وكيف , فتعللت بأنني متعب من السفر واستأذنت منها في أدب لأرتاح , فأخذت تسأل أمي , وأمي تنظر لي مندهشة من عودتي , ثم قالت أخيراً : أترككما الآن , سآتي أطمئن عليكما في الصباح .

وما أن خرجت حتى انفردت بأمي وقصصت لها كل شئ وكأنني زحت عن صدري هم ثقيل , ولكن يبدوأنني لم أفهم تحذير الرجل جيدا .(يصمت علاء الدين برهه ).

القاضي : لعل أمك أشاعت الخبر وأوقعتك في المشاكل .

علاء الدين : لا ولكني ذهبت بكثير من قطع الذهب للصاغة دفعة واحدة , وبعتها وأخذت الثمن , واعتبرت هذا المال كنز وأخرجت زكاته وهي الخمس , واشتريت أرضاُ وبنيت عليها عدة مشاريع خيرية تنفع الناس , مدرسة ومستشفى , ومدرسة حرفية تعلم الصبيان الصناعات المختلفة , ومدرسة مثلها نسائية , فازداد حب الناس لي ووصل صيتي لأمير البلاد , وبدأت أبني لنفسي دار كبيرة , وكلما نقص المال ذهبت للصائغ أبيع بعض قطع الذهب فأدفع الخمس لتدعيم المشاريع الخيرية وآخذ أربعة أخماس , وقد بدأ الهمس بين الناس , وبدأ الصائغ يحكي عن الذهب الذي أبيعه , فوصلت أخباري لأبو النجا .

القاضي : ومن أبو النجا هذا ؟.

علاء الدين : إنه الرجل الشرير الذي كان يبحث عن الذهب , فجاءني أبو النجا متنكرا في زي تاجر , وادعى أنه صديق أبي فأكرمته, وكان يأتي من حين لآخر بحجة أنني ابن صديق عمره الذي ينبغي ان يطمئن عليه , ولم يكن أبو النجا يريد المال بل كان يريد السر العلمي الذي استطاع العالم العجوز أن يحول به بعض المعادن إلى ذهب , وكنت في هذه الأثناء قد تقدمت للأمير خاطباً بنته الأميرة بدور , ولما بلغه عني كلام طيب وافق على الفور , ولكن الوزير جعفر سامحه الله كان يريد ان يزوج ابنه من الأميرة ولكني سبقته , فظل يطلق الشائعات عني وحكى للناس قصة المصباح الزائفة , ولما كان الناس يتسائلون عن سر الثروة التي هبطت علي صدقوه , فخاف الأمير ورفض الزواج , كل هذا وأبو النجا قريبا مني يعرف أخباري أولاً بأول مني أنا شخصياً , ولما علمت بسبب رفضه دافعت عن نفسي وقصصت له حكايتي وسأل الشهود فاطمئن قلبه على ابنته وزوجني , وبعد زواجي بقليل , اختطف ابو النجا زوجتي الأميرة بدور , وهددني بقتلها إن لم يأخذ مني سر التركيبة العلمية , فحاولت أن أشرح له فلم يفهم, فطلبت منه مهلة فأعطاني مهلة أسبوع , فاجتمعت بأصدقائي وتنكرنا في شكل بائعين كنت أنا أبيع الخبز وحسين يعمل سقا وعلي بائع حطب لندخل كل بيت في القرية , وكنت أغني أثناء البيع لتسمعني بدور , ففهمت إشارات الأغنية وردت عليها بأغنية كأغنيتي تبدوا كلماتها عادية ولكن بها كلام أفهمه , وعرفنا البيت الذي حبست فيه وقمنا بتحريرها وقبض الأمير على أبو النجا الشرير , ولكن الشائعات لم تتركنا , سممت حياتنا وأنا الذي كنت أحيا بسمعة طيبة بين الناس .

القاضي : هل لديك شهود على ذلك ؟.

علاء الدين : إسأل أصدقائي الذين ساعدوني في البحث عن بدور واسأل جارتنا أم جميل , واسأل زملائي الذين شاهدوا العالم العجوز وقاموا بدفنه .

( قامت امرأة عجوز من بين الحاضرين )

المرأة : أنا هنا يا سيادة القاضي , أنا ام جميل .

القاضي : هل كان علاء الدين صادق فيما قال ؟.

المرأة : لست أدري ولكني رأيت الجملين , وكان حملهما ثقيل , وقد راوغ وتهرب من أسئلتي ولم يجبني على أي منها .

القاضي : من هناك أيضا من الشهود ؟.

( قام ثلاثة من الشباب وقالوا )

معا: نحن يا سيادة القاضي .

أحدهم : انا حسين .

الآخر : وأنا علي .

الثالث : وأنا سعيد .

القاضي : ما قولكم فيما سمعتم ؟

حسين : لقد رأيت العجوز الميت وشهدت دفنه أنا وإخواني .

القاضي : هل هذا صحيح ؟

معا : نعم سيادة القاضي .

سعيد : و لقد بحثنا معه عن الأميرة وقت أن خطفت , أما أبو النجا فمازال في السجن

القاضي : لا حاجة لنا به فيكفينا شهود , قررنا ان علاء الدين برئ مما نسب إليه فهو شاب مكافح قد كافأه الله وهو جدير بالأميرة

( تبتسم الأميرة وتقترب من علاء الدين )

بدور : الحمد لله الذي أظهر براءتك يا زوجي العزيز .





( تمت بحمد الله )




إيمان راضي أبو العنين

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

انتي من اجملا لشخصيات وارقاها حقا بوركتي امي